adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
رئيس الوزراء حيدر العبادي ليس هو الآن في أفضل أحواله ولا في أسعد أيامه. الانتفاضة الشعبية الحالية أنقصت المزيد من رصيده المتآكل في الأساس، وبخاصة بسبب القمع المفرط الذي ووجهت به الحركة الاحتجاجية الحالية بالرغم من أنه أظهر التفهّم والتأييد لمطالب المحتجّين وأطلق الوعود بتلبيتها، وبدأ بالعمل لتلبية البعض منها.
في مواجهة التآكل الجديد في رصيده، وهو على أعتاب ترشيح نفسه لولاية ثانية، يسعى السيد العبادي للتشبّث حتى بالقشّة ليبقى على قائمة المرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة.
على مدى أربع سنوات عجز العبادي، بإرادته، عن مكافحة الفساد الإداري والمالي تنفيذاً لتعهّد قطعه للشعب أكثر من عشرين أو خمسين مرة.. المرة الأولى في برنامج حكومته المُقدّم في 2014، والثانية في الحزمتين الإصلاحيتين اللتين تقدّم بهما الى مجلس النواب تحت ضغط الحركة الاحتجاجية المندلعة في نهاية تموز 2015. أمّا المرّات الأخرى، من الثالثة الى العشرين أو الخمسين، فكانت في خطاباته وتصريحاته في المؤتمرات الصحافية الأسبوعية. ما من خطاب ألقاه أو مؤتمر صحافي عقده إلا وأكد فيه بلهجة كانت تبدو حازمة وجازمة بأنه سيعلنها حرباً ضروساً ضد الفساد والفاسدين بعد الانتهاء من الحرب ضد داعش. انتهت هذه الحرب رسمياً منذ سنة (لم تنته بعد في الواقع، فخطر داعش لم يزل قائماً بقوة) لنفاجأ منذ أيام بالعبادي وهو يتنصل من تعهداته على هذا الصعيد بإعلانه أن الحرب ضد الفساد أصعب من الحرب على داعش! بل إنه ضمنياً قال بعدم إمكانية مكافحة الفساد أو صعوبتها!
الآن يعتقد السيد العبادي، في ما يبدو، بأنه قد عثر على القشّة المأمولة، هو قانون رواتب وامتيازات أعضاء مجلس النواب الذي اعترض عليه أمام المحكمة الاتحادية. اعتراضه في محله تماماً، بل هو متوجّب، لأنّ مجلس النواب المنصرم أنهى حياته بانتهاك دستوري بتشريعه هذا القانون، ولم يكن ذلك أول قانون يشرّعه مناهضاً لمصالح الشعب ولا هو أول انتهاك دستوري يُقدِم عليه تحت أنظار وأبصار الحكومة ورئاسة الجمهورية والسلطة القضائية.
السيد العبادي اختار ساحة ضئيلة المساحة ليشهرعليها سيفه الخشب في وجه الفساد الإداري والمالي. الأموال التي يريد النواب الاستحواذ عليها من دون وجه حق بموجب قانونهم ليست أكبر من نقطة في بحر بالمقارنة مع الأموال التي استحوذ عليها، ويستحوذ عليها الآن، فاسدو الجهاز الإداري للدولة وشركاؤهم من أصحاب المال والأعمال العراقيين والأجانب.
الراحل أحمد الجلبي الذي انصرف في سنواته الأخيرة لإعداد ملفات خاصة بقضايا الفساد، بحكم موقعه رئيساً للجنة المالية البرلمانية، كان يقول لنا كلما التقيناه أنتم، الصحفيين، متمسكون بقضية صغيرة، هي مخصصات أعضاء البرلمان ورواتبهم التقاعدية، ومهملون ما كان يسميها"القضايا الجسيمة"في مجال الفساد.. كان يُجري لنا بسرعة مدهشة عمليات جمع وضرب وقسمة ليصل بنا إلى نتيجة مفادها أن مجموع ما يُمكن تخفيضه من رواتب ومخصصات البرلمانيين لا يتجاوز بضعة ملايين من الدولارات في السنة، بينما ينهب فاسدو جهاز الدولة وشركاؤهم يومياً عشرات ملايين الدولارات من العقود والمقاولات ونافذة العملة والمنافذ الحدودية وسواها.
المحيّر أنّ السيد العبادي يترك الآن، كما على مدى سنواته الأربع الماضية، أكبر ساحة لمحاربة الفساد ويحصر نفسه في ساحة متناهية الصغر لا تزيد على مساحة كفّ قدم واحدة من قدميه بالمقارنة مع فضاء الفساد الفسيح جداً!.. هل الأمر محيّر حقاً؟