لندن – وحيدة المقدادي
وسط ضوضاء القطارات وزحمة المسافرين كان للمعمار البغدادي حضور هادئ في باحة صغيرة من باحات محطة (لندن بريدج) المترامية الأطراف التي أستضافت في الآونة الأخيرة معرضاً معمارياً تحت عنوان (معمار بغداد) تعاونت السفارة العراقية على تنظيمه مع جمعية الكندي للمهندسين ببريطانيا ومؤسسة (تراث) وذلك ضمن فعاليات (مهرجان لندن للعمارة) الذي أشتمل هذا العام على أكثر من 400 نشاط معماري تعبيراً عن دوره المتنامي في رصد وتكريس الأفكار والأتجاهات المعمارية في المدينة العريقة التي تشكل الأعمال النحتية والمعمارية
ركناً أساسياً في هويتها وطابعها. ومما يستوجب الأشارة أن المعمارية العراقية العالمية الراحلة زها حديد كان لها دور هام في تأسيس ونجاح المهرجان في عامه الأول 2004 من خلال إلقاء المحاضرات والأحاديث لاسيما وأن الدورة الأولى ركزت على التراث المعماري لمنطقة (كليركينويل) القديمة ، حيث يقع مكتب المعمارية الراحلة ومعرضها الدائم.
قدم معرض (معمار بغداد) فرصة نادرة لسكان لندن للأطلاع على المعالم الجمالية المجهولة لمدينة دار السلام المدورة من خلال مجموعة نادرة وقيمة من اللوحات الفوتوغرافية والخرائط والتصاميم جسدت النمط المعماري للمباني العامة والقصور التاريخية والمراقد المقدسة، بالأضافة الى مشاهد حميمة من الحياة المائية عند نهر دجلة تركت في الأذهان علامات أستفهام وتعجب وأسى حول ماوصل إليه الحال اليوم بالمدينة الرابضة على ضفاف أحد أكثر أنهار العالم أرتباطاً بالإبداع والخيال والطقوس والأساطير.
وبينما ينكب رواد المحطة من البريطانيين على الصور والخرائط لأستكشاف الملامح الجمالية لمدينة بغداد التي أرتبطت في أذهانهم منذ فترة طويلة بالعنف والدمار، تجد العراقيين بالمقابل يُبحرون مع ذكرياتهم في مرابع الطفولة والصبا ويحاولون إستعادة لحظات مُضيئة من زمن غابر. ويتناهى الى أسماعك أسماء لمناطق بغدادية تحسبها أندثرت... فمن هنا (حافظ القاضي) ومن هناك (جامع الخلفاء) و (الحيدرخانة) وسلسلة طويلة من الأحياء البغدادية تثير في النفس شجناً وحنيناً.
وثمة زاوية في المعرض بعنوان (رؤى بغدادية) تعبر عن طموحات وخطط المهندس المعماري العراقي تغلب الوائلي المختص بتخطيط المدن والذي يسعى من خلال مبادرة (إحياء) الى تطوير وإحياء وصيانة المناطق والمباني التراثية العريقة في مركز بغداد من خلال رؤية خلاقة وعملية تهدف الى صيانة وإحياء وتفعيل المباني التراثية وتأكيد حضورها اليومي في حياة البغداديين وجعلها جزءاً من حاضرهم الثقافي والأجتماعي بدلاً من عزلها وتحنيطها. وقد عبر المهندس الوائلي عن رؤيته في تطوير وإنعاش مدينة بغداد في كتاب له صدر بعنوان: (بغداد القرن 21: أحياء مركز بغداد التاريخي) حصد عنهُ جائزة قيمة كما وصدرت نسخته الأنجليزية في حزيران العام الحالي.
كما قدم المعرض فرصة للتذكير بأنجازات أساتذة المعمار العراقي بدءاً من بُناة القصر العباسي وملوية سامراء ووصولاً الى أبداعات محمد مكية ورفعت الجادرجي وزها حديد.
ويعتبر العراق البلد الوحيد المشارك في مهرجان لندن للعمارة من بين بلدان منطقة الشرق الأوسط في إشارة الى قيمة الفن المعماري لدى العراقيين منذ القدم. وكان سعادة السفير الدكتور صالح حسين علي التميمي قد أفتتح المعرض رسمياً بحضور طاقم السفارة وأبناء الجالية وعدد من المعماريين العراقيين، كما وحظي المعرض بحضور بعض الشخصيات البريطانية بينهم عضو مجلس اللوردات، اللورد (محمد شيخ) الذي تجاذب أطراف الحديث مع سعادة السفير حول فكرة الوطن والجذور، منوهاً الى أن الأوطان التي تتمتع بتراث حضاري عريق، كما هو حال العراق، فأنه يستحيل على أبنائه نسيان جذورهم والذوبان في ثقافة الخارج.
وكان من بين المبادرات الشيقة التي تميزت بها دورة مهرجان لندن للعمارة هذا العام قيام عدد كبير من المعماريين البريطانيين الشباب بتصميم مقاعد عامة أو (مصاطب) بأساليب فنية مبتكرة بغية أضفاء طابع ودي على الشوارع المزدحمة ومساعدة سكان المدينة وزوارها على الحصول على قسط من الراحة والإسترخاء أثناء تنقلاتهم اليومية.