طالب عبد العزيز
بمناسبة عودة الحديث عن إقليم البصرة وانقسام الآراء بشأنه، وجدنا أنَّ البصريين يمتلكون الحق كله في إقامة محميتهم الخاصة، ضمن حدود الدولة العراقية أو خارجها. بعد تحطم الحلم، الذي قال به ريدير فَسَّر في كتابه المعنون (البصرة وحلم الجمهورية الخليجية) أو الدولة الفاشلة، بحسب ما في بعض سطور الكتاب. إذ يسخر البصريون قائلين:”أليس من المعيب أن تكون البحرين أو قطر دولة ولا نكون"؟ في يأس واضح من الأداء السيء والإهمال المتعمد، الذي تعرضت له المدينة، منذ وجودها في التاريخ الى اليوم، هي التي كان يُعرف العراق كله بها.
أكثر ما يحرّض البصريين على إنعاش فكرة الإقليم هو شعورهم بان مدينتهم الخليجية، الغنية ظلت مهملة، متخلفة عن مثيلاتها الخليجيات، في الوقت الذي يغذي اقتصادها العراق بأكمله. هذا الشعور سيظل يغذي روح النزعة الانفصالية الى أمد بعيد، مالم يشعر البصري بحياته كاملة، يزيده ألماً ما تحدثه به كتب التاريخ، ففي ولاية داوود باشا يكتب متسلم البصرة كاظم آغا الى الوزير في بغداد كتاباً يخبره به بان ما قام به الشيخ جابر الصباح، من خدمة جليلة الى الدولة العليّة(العثمانية) يستحق أن نهديه علماً أخضر وتعيين راتب سنوي قدره مئة وخمسين كارة من تمر البصرة(الكارة تساوي 3000 مَنْ بصري، ويساوي 231 طن) الراتب الذي استمر لغاية سنة 1860ميلادية، بدعوى أنَّ الشيخ وجنوده يحمون مدن الدولة من هجمات عرب وبدو الصحراء، ومعلوم أن المبالغ هذه كانت تؤخذ من جهود وكد وعرق الفلاحين والمزارعين البصريين لتدفع الى هذا الشيخ وذاك الحاكم.
ويبدو أن سياسة بغداد والحكومة الفدرالية ما زالت تتعامل مع المدينة وسكانها بذات التوجه الى اليوم، فالبصرة التي تعتبر قوامة اقتصاد العراق، حيث تؤمن أكثر من 90% من وجوده كدولة وكيان لم تزل مهملة، تعاني من أزمات لا حدود لها، يشقى سكانها من حرّ ورطوبة مناخها، ويكتوي سكانها عوزا وفقرا وحرمانا، وفي الوقت الذي يغذي وقودها محطات انتاج الطاقة ما زالت تعاني من سوء خدمة الكهرباء، وهي مستودع نفايات النفط مثلما هي مبزل مياه المحافظات العليا، حيث لا تنتظم شبكات الصرف الصحي في غالبية المدن، التي تقع على نهري دجلة والفرات بما يعني أنها مكب شبكات الصرف الصحي، وهكذا، تجتمع على أراضيها الاملاح والنفايات وفي سماواتها السنة اللهب والادخنة لتنتج أنواع الامراض والاوبئة دون أن تأخذ من حقها ذاك شيئاً.
لا يأمن البصريون نوايا أعضاء المجلس، الذين صوتوا على الإقليم، ذلك لأنهم الجزء الفاعل، الذي ساهم بتدمير المدينة، طوال الـ 15 سنة الماضية، ولا يمكن أن يكونوا خارج معادلة الخراب، لذا، تنعدم درجة الثقة بكل الأحزاب التي تناوبت على كرسي المحافظة والمجلس معاً، فهم في أرقي احوالهم لم يكونوا أكثر من البراغي الصغيرة، غير الفاعلة، إن لم يكونوا التابعين الاذلاء لعرابيهم في ماكينة القرار ببغداد، ولن يكون حزب الدعوة أفضل حال من المجلس والتيار والفضيلة والعراقية وسواها، ففي قناعة البصريين أنهم، جميعا مشتركون في وصول المدينة الى ما هي عليه اليوم.
بقي أن نسأل السؤال التقليدي: يا ترى ما الحل؟ فنقول بان الحل في إقامة الإقليم، لكن ليس على أيدي هؤلاء، لأنهم المشكلة بعينها.