طالب عبد العزيز
في لقاء جانبي لنا مع أحد أعضاء مجلس محافظة البصرة، جرى الحديث عن مشكلة الماء المالح ومسؤولية الحكومة الفدرالية في تأخير إنشاء السد أو نصب محطات التحلية البحرية وإخفاق الحكومة المحلية بالضغط على حكومة بغداد الأمر الذي أخّر التنفيذ في أحد المشروعين. ويبدو أن لا بارقة أمل تلوح في حدود الأشهر القادمة.
لكن، قد تنعم الحكومتان بحيز من الطمأنينة بخلود الجماهير الى بيوتها يائسة، بعد شهر أو شهرين، أي حين يقترب الشتاء ويتراجع لسان الملح الى البحر وسينسى المتظاهرون المشكلة بتحسن الكهرباء وانخفاض نسبة الملوحة في صنابير المنازل، لكن المشكلة ستظل قائمة، وتتكرر ثانية وثالثة، وسيموت أكثر من متظاهر يائس برصاص عناصر حزبية وحكومية، ويهدر من المال الكثير إذا لم تستعجل الحكومتان الشروع بالعمل وتنفيذ واحد من المشروعين آنفاً.
في ضوء أزمة المياه العالمية، ولأننا لسنا دولة منبع، ولأن البصرة مدينة تقع في حوض الملح، ولأن حكومتنا في بغداد منشغلة، وستظل منشغلة بما هو أكبر من قضية الماء المالح في البصرة، لذا علينا أن نبدأ من الحقيقة التي تقول بان مستقبل اعتماد البصرة على ماء دجلة والفرات لا يطمئن ولا يبشر بالخير، وأن وجودها على رأس الخليج يفرض عليها التعامل مع القضية هذه، بوصفها مدينة بحرية، لا يصلها من الماء الحلو إلا فضلة المحافظات، وإن تركيا وإيران جاراتا سوء، لا يمكن الاطمئنان الى مستقبل العلاقة معهما. لذا فلتستعد المدينة الى التعامل مع مياه البحر، الذي لا ينضب، ابداً، وأن بناء محطات التحلية البحرية ليس بالغريب في العالم، وما تجارب الدولة الخليجية ببعيدة عنا.
منذ أعوام والحديث يجري عن إقامة محطة تحلية كبيرة في منطقة قريبة من البحر، تعتمد على الماء المالح، وتجدد الحديث على لسان المحافظ أسعد العيداني، الذي أكد حصول المشروع على موافقات الوزارات المعنية، إلا أن فترة دراسة وتخطيط المشروع، فنياً قد تستغرق ستة أشهر، كما أن فترة تنفيذه وإكماله قد تستغرق ثلاث سنوات، وهكذا نجد ان معاناة المدينة ستطول مع واحد من أعقد قضايا الحياة(الماء) غير أن قضية عمرها قرابة عقد من الزمن- بحساب أول اجتياح للسان الملح كان في العام 2009- تدعونا لمحاسبة الحكومتين، المحلية والفدرالية، اللتين تقاعستا طوال السنوات تلك وتسببتا بالضرر الذي لحق أهل البصرة، وضياع المال وهلاك الزرع والحيوان والتصحر وخراب البيئة.
معلوم إن جهات داخل حكومة البصرة المحلية، لها ما لها من الأذرع في بغداد وأن شخصيات نافذة لديها شركات ومصالح مالية كانت قد وقف بالضد من إقامة السد، وعرقلت كل فكرة بهذا الشأن، وما زالت فاعلة وتتحرك، كما ان إيران تعرقل أيضاً فكرة إقامة سد على شط العرب .. كل ذلك يجري والحكومتان عاجزتان عن المحاسبة والتصدي والعمل، فيما يكتوي ثلاثة مليون إنسان بمعاناة لا حدود لها، يخسر المزارعون حقولهم وبساتينهم ويخسر مربو الماشية ويتضرر اقتصاد المدينة في حقول كثيرة، مثلما تنتشر الأوبئة والأمراض، كل ذلك يجري تحت بصر وسمع كبار الآلهة في بغداد وكربلاء والنجف والبصرة، لكن لا أحد يتحرك.