علاء المفرجي
أهمية المخرج يوسف شاهين الذي نحتفل بالذكرى العاشرة لرحيله، تكمن في كون أن بروزه جاء في فترة تحول اجتماعي وسياسي كبيرين في مصر، والعالم، وأيضاً كان مدخلاً لسينما جديدة تأثرت بموجات وتيارات سينمائية وافدة، فضلاً عن التطور المضطرد في صناعتها فالواقعية الايطالية برجالاتها وأفلامها –مثلاً- كان لها تأثير كبير على جيل من المخرجين المصريين بداية الخمسينيات، فأُنتجت أفلام تمثل أساليبها ، وكذلك أفلام الموجة الفرنسية الجديدة.
بروز يوسف شاهين كمخرج خلال هذه الفترة جعله أمام تحدٍ كبير، فالرهان أن يكون مغايراً في أسلوبه وفي الموضوعات التي يتناولها، فكانت أفلامه الأولى ابتداءً من بابا أمين بمثابة تراكم خبرة وإغناء للتجربة كي يصنع فيلمه المهم (باب الحديد) الذي توضحت فيه موهبته الأسلوبية وذكائه في اختيار الموضوع المختلف، وسيكون هذا الفيلم البداية التي سنتعرف بها على يوسف شاهين.
فهذا الفيلم دراما من إنتاج جبرائيل تلحمي عام 1958 وإخراج يوسف شاهين، وبطولة يوسف شاهين، فريد شوقي، هند رستم وحسن البارودي، وشارك الفيلم في مهرجان برلين السينمائي الثامن، كما تم اختياره من قبل مصر للتنافس على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية ولكنه لم يترشح، ويعد أول فيلم عربي وأفريقي يطرح للتأهل لجائزة الأوسكار، وتم تصنيفه في المركز الرابع ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية في استفتاء النقاد، واختير في قائمة أهم 1000 فيلم في تاريخ السينما العالمية.
وتدور أحداث الفيلم بداخل سكة حديد مصر، وأطرافها الثلاثة هم بائع الصحف الأعرج “قناوي” (يوسف شاهين)، الذي يقع في حب بائعة المياه الغازية المثيرة “هنومة”، وتلعب دورها الممثلة المصرية الراحلة هند رستم، التي تحب حمّال المحطة “أبو سريع”، ويجسد دوره الممثل الراحل فريد شوقي.
ثم توالت أفلامه ، وأصبح عشاق السينما ينتظرونها بشغف كبير، فشاهين ليس كغيره من صناع الأفلام العرب يصنع فيلماً ليشكل رقماً في مسيرته، بل غالباً ما تثير أفلامه الجدل ويختلف بشأنها الرأي بين النقاد والجمهور بشكل عام، فشاهين عاصر وقرأ ثم صوّر في أفلامه الأحداث والتحولات الجارية في وطنه والعالم ليتمثلها ويقدمها فيما بعد موضوعات لأفلامه، لدرجة طُبعت أفلامه بإشارة أفلام القضايا.
فقد كشف عن آرائه في عدد كبير من أفلامه، ففيلم «باب الحديد» الذي صدم المشاهدين بتقديمه صورة محببة للمرأة سيئة السمعة،كذلك إشارته في فيلم (العصفور) الى أسباب هزيمة 5 حزيران والتي رأى فيها إن الفساد كان العامل الأساس. كما أثار فيلم «المهاجر» في العام 1994 غضباً لأنه تناول قصة النبي يوسف بن يعقوب عليهما السلام.
وتنوعت القضايا في أفلامه فمن أفلام الصراع الطبقي مثل «صراع في الوادي»، «الأرض» و«عودة الابن الضال»، إلى أفلام الصراع الوطني والاجتماعي مثل «جميلة» و«وداعاً بونابرت» إلى سينما التحليل النفسي المرتبط ببعد اجتماعي مثل «باب الحديد»، «الاختيار» و«فجر يوم جديد».
وتميز شاهين بطريقة مخرجي السينما المعروفين ، فقد كان يحب الظهور في أفلامه، فظهرفي لقطة له وهو يصرخ في أحد مساعديه «يمين إيه ح تخش في الحيط» في فيلم «حدوتة مصرية»، لكنه ظهر في أفلام أخرى كممثل، مثل شخصية «قناوي» في «باب الحديد» ومشاهد قصيرة في «إسماعيل ياسين في الطيران» من إخراج فطين عبد الوهاب، وظهر في لقطة خاطفة في فيلم «ابن النيل» أثناء نزول محمود المليجي على السلم هارباً من البوليس. كما قام بالتمثيل في أفلام أخرى من إخراجه مثل فيلم «فجر يوم جديد» و«اليوم السادس» و«إسكندرية كمان وكمان». وكان آخرها ظهوره في فيلم «ويجا» مجاملة لتلميذه خالد يوسف.