( سردية إلى روح صديقي فاضل خليل)
د. فاضل السوداني
سأمجد فيك مباهج الصداقات النبيلة وقدرتك على التسامح حتى مع أعدائك
سأمجد فيك جميع الهموم التي اقلقتنا ومازالت .
ستحّييك الشواطئ التي عبرناها خائفين ، لا نملك سوى شجاعتنا تلك التي كانت تكمن بأحلامنا التي أسَسّت الفعل النبيل .
ستحّييك الأزقة التي سرناها تحت شمس الجنوب الحارقة في العمارة من أجل أن نقف على خشبة المسرح هناك .
سيحّييك ناصرعلي الناصر أول من علمنا المسرح في العمارة ،وزاهر الفهد وإبراهيم غزال لأنهم قالوا لنا هذا هو طريقكما طريق عذاب وأحلام اسمه المسرح .
هل تذكر صلاح القصب كان شفيعنا عندما استقبلنا في مقهى الأعظمية يوم وصلنا بغداد في 1964 من القرن الماضي ، مشردين وجْلين لا نحمل سوى طيبة الجنوب لكن هدفنا كان أن نجعل من المسرح قدرنا ، وفي ظلام مسرح معهد الفنون بكينا ثلاثتنا بحرقة فرحاً أو حزناً لا أتذكر .
ستتذكرك تلك الازقة البغدادية الضيقة التي لم نمل السير فيها باحثين عن أسرار بغداد .
ستحّييك خشبات المسارح العراقية التي كانت تهتز تحت قدميك لأنك الفعل الإبداعي النبيل ، ستحييك تلك الرائحة الخاصة في غرف المكياج .
أتعلم بان النخلة التي تركتها هناك مازالت تبحث عن جيرانها من الشخصيات التي جسدتها وخلقتها من جديد في فضاء مسرح بغداد ،خرابتنا الجميلة وملجئنا وبيتنا المهدم ، وها أنهم يقفون إجلالاً لك أيها الصديق يارفيقي .
فاضل خليل .. أيها السيد ،صديق الكلمة والمسرح لم أكن أعرف بأن الموتَ قريبٌ هكذا. لكني كنت أعرف كم هو مؤلم وموحش أن تسافر لوحدك ، ومع هذا فإن غابتنا المنيرة بإريج الزهور ستحّييك أيها النبيل .
وستحييك كذلك الغرف الضيقة التي سكناها في الحيدرخانه وسوق الهرج عندما كنا مهوسين بمسرحنا .
أيها السيد يارفيقي أن تخلق مسرحاً يعني أن تخلق وطناً جديداً .
كم أشعر بالوحشة بدونك لأنك كنت الوحيد القادر على أن تجعلني أكثر هدوءاً ومعقوليةً .
والآن من ذا الذي سيشاركني خشبة المسرح كما فعلنا سابقاً في النخلة والجيران والمسرحيات الأخرى التي أديناها في زوايا المعهد القديم والاكاديمية ومسرح بغداد وكانت كلها ممزوجة بالتجريب يوم كانت بغداد مهرةً وجلةً ولكن أغانينا كانت عظيمة .
وبالرغم من الجوع كانت أحلامنا تهمسها البحار النائية مؤشِرةً على تلك الطموحات التي تليق بفنانين نبلاء.
ستحّييك أيضاً تلك الأحلام التي لم تتحقق ومآسي العراق التي قتلت فينا فرحاً كان منسياً . ستحييك كل هذه المسالك البعيدة والقريبة .
فاضل خليل صديق الكلمة والمسرح والغابة النيرّة بأريج الزهور ،
سينحني لك جميع الأصدقاء أما أنا فسأمجد فيك قهقهاتك العالية ومشاكساتك التي اشتقنا لها الآن كثيراً .
لن أُرثيك أيها السيد ياصديقي لأن الموت توهان في الغابة البنفسجية المعلقة بين السماء والأرض .
لن أُرثيك ولن أقول وداعاً ياصاحبي لأني وجمهورك مازلنا ننتظر شموسك الأبدية في غابتنا المظلمة هذه .
في غفلة انسابت كلمة صوفية
من مسارب أبواب الليل
فأضاءت أبدية الأقمار المنسية.
صمت أبدي،
صمت أبدي
لن تموتَ لأن حياتك رؤى
حلمنا بها .
و ابتسامَتكَ أمل و يقين .
سافرتَ الآن وحيداً في حلمك
كنتُ أود أن تلتَفِتَ
لأقول لك
كم كانت تلك الأحلام جميلة ؟!
كم كانت جميلة تلك التي حلمنا بها .؟!
والآن خبرني يا فاضل : ماذا تعني
هذه الحياة دون أحلام وحرية ؟.
وفي ضفاف العالم الآخر
سمعنا صدى خُطاك ،
ملاكك أشار أن ندخل الغابة
فجراً
هناك مازال جمهورك ينتظر
شموسك الأبدية .