طالب عبد العزيز
غالباً ما تصطدم النوايا الحسنة والمشاريع الحقيقية، التي عند البعض من مواطني مدننا بعقبات من يملك القرار، ولنأخذ البصرة مثالاً، فقد إجتاح لسان المد الملحي شط العرب في العام 2009 وتقدمت الحكومة المحلية بجملة أفكار وتوصيات وقيل ما قيل عن شركات عملاقة ستدخل البصرة لتعمل وتنفذ مشاريع تحلية، وكذلك تحدثت وزارة الموارد المائية وزارات أخرى ومثل ذلك تحدث به آخرون، من داخل وخارج التشكيلة الحكومية، لكن شيئاً ملموساً على الواقع لم يحدث ولم يتحقق حلم البصريين في حصولهم على مياه نقية صالحة للاستخدام البشري في منازلهم. لماذا ؟
بالعودة الى أصل المشكلة نجد أن الدولة العراقية قائمة على خطأ إداري فادح، يتمثل في تعدد المسؤوليات ووفرة زائدة عن الحد في مصادر القرار، يزيد من تعقيده أمران أولهما: التفكير بالانتفاع الشخصي وثانيهما الخوف من التفرد بالمسؤولية، وهما مرضان مشخصان يكادان أن يكونا علة السياسة العراقية. منذ سنوات والى اليوم وفكرة الوظيفة في العراق تعني الانتفاع والاستحواذ والثراء والتمسك بالكرسي، وهذا ما أسست له أحزاب الإسلام السياسي بشكل واضح من خلال اللجان الاقتصادية فيها، فهذا فريق بيده المال والمشاريع وآلية تعطيلها إذا لم تتم منفعته كاملة، يقابل ذلك فريق آخر، من الذين لم يحصلوا على المراكز العليا في السلم الوظيفي، ولم يكونوا تنفيذيين، جلسوا لهؤلاء(ركبة ونص) يبحثون في السبل والطرائق للايقاع بهم، وهكذا كانت الحرب سجالاً بين الفريقين وكانت متوالية (الاستحواذ والانتزاع) قائمة وما زالت الى اليوم.
من خلال متابعتنا لقضية تنفيذ المشاريع في البصرة نجزم أنَّ هذا هو واقع الحال الذي أدى بالبصرة الى ما هي عليه، إذ لم يكن مجلس المحافظة على وئام مع مكتب المحافظ طوال السنوات الماضية منذ 2003، اللهم، استثني وبتحفظ، فترة المهندس أسعد العيداني، لكن الحقيقة هي هذه. علينا أن نتصور إنَّ الحكومة الفدرالية والمحلية والجهات المعنية بالري والموارد المائية والمشاريع كلها مجتمعة لم تتوصل حتى اللحظة هذه الى قرار يحدد موقع السد المزمع إقامته على شط العرب، ليمنع المد الملحي.بل لم يجتمع هؤلاء كلهم على رأي بشان إدارة الصهاريج التي تزود البصرة بالماء من البدعة، إذ لا أحد منهم يعلم بالخرائط التي تخص أنابيب الناقلة للماء من نهر البدعة الى محطة الضخ في البراضعية، فيما يتحدث مواطنون عن وجودها لدى المقاولين الثانويين الذين قاموا بأعمال صب الخرسانة الاسمنية، أيام النظام السابق. نحن في مدينة لا يملك أحد فيها قراراً نهائياً.
هل سيثق السيد العبادي باليد التي تعطيها المال لتنفيذ مشاريع التحلية في البصرة؟ هل سيطمئن منفذو المشروع على أنهم سيسلمون من المكائد؟ هل سيطمئن السكان المنكوبون الى ذلك كله، هل سيصدقون بان ما ينفذ سيعود عليهم بالخير العميم؟ هذه ليست أسئلة، إنها هواجس وشكوك ومخاوف حقيقية من مجهول كاسر. لم تخلق الأحزاب الاسلامية ولا المجاورة لها الشخصية الوطنية المخلصة بعد.الوطنيون، المخلصون، الشرفاء خارج مشهد الدولة العراقية اليوم.