adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
ما كانت وزيرة الصحة والبيئة العراقية عديلة حمود مضطرّة إلى تقديم معلومات مضلّلة بشأن الوضع الصحي في محافظة البصرة على خلفية الشحّ في مياه الشرب وتسمّمها، وهو ما دفع بالحكومة الى إرسال وفد وزاري الى البصرة للوقوف على الوضع الصحي والبيئي وإيجاد الحلول.
بخلاف الواقع، هوّنت السيدة حمود في مؤتمرها الصحفي بالبصرة السبت الماضي من خطورة الوضع في المحافظة التي طالب أعضاء في مجلسها بإعلانها محافظة منكوبة. الوزيرة قالت إنّ كل الحالات المرضية المسجلة "بسيطة أو متوسطة" لا تتعدّى المغص والإسهال لنحو 1500 شخص، ثم أدارت ظهرها مع مرافقيها وعادت قافلة إلى العاصمة بغداد من دون تكليف نفسها بالبقاء بضعة أيام في المحافظة، أقلّه من أجل جبر خواطر المواطنين المنكوبين ولتأكيد أنّ الوضع هو بالصورة الوردية التي رسمتها هي.
كلام الوزيرة مخالف للوقائع التي قدّمتها أجهزة حكوميّة في البصرة، فبعد يومين من تصريح الوزيرة أعلن مدير دائرة صحة البصرة رياض عبد الأمير عن ارتفاع حالات التسمّم في المحافظة الى 12 ألف حالة، وأكد في تصريح إذاعي أنّ البصرة "تعيش أزمة بيئية حقيقية نتيجة تلوّث المياه وخاصة ارتفاع نسبة الملوحة"، وأوضح أنّ المناطق الأكثر تسمّماً في المحافظة هي شط العرب وأبو الخصيب ومركز المحافظة وناحية الهارثة.
كما إنّ شعبة الرقابة الصحية في دائرة صحة البصرة تحدّثت في الوقت نفسه عن ارتفاع نسبة التلوث في مياه الإسالة "بشكل كبير جداً"، وقالت إنّ التلوث الكيميائي في مياه الإسالة بلغ 100 %، والتلوث الجرثومي 50 %.
وقبل يوم من ذلك قالت مفوضيّة حقوق الإنسان في بيان إنها وثّقت ارتفاعاً في حالات الإصابة بالإسهال والأمراض الجلديّة والسرطانيّة في محافظة البصرة نتيجة تلوّث مياه الشرب.
أكثر من هذا حضّت المفوضيّة مواطني البصرة على "تقديم الشكاوى ضد الوزارات التي تسبّبت بانتهاكات التلوّث البيئي والصحي في البصرة". ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تداولوا صوراً ومقاطع فيديو تُظهر تحوّل عدد من الأنهار في البصرة إلى مكبّات للنفايات، فيما تحوّلت مياه بعض منها إلى اللون الوردي.هل شاهدتها الوزيرة؟!
ويوم الإثنين أفاد مصدر محلي في البصرة، ، بتسجيل أكثر من 8000 إصابة بالتسمم البكتيري بين المواطنين في عموم البصرة نتيجة تلوث المياه، مبيناً أن المصابين يفترشون الأرضيات في المستشفيات وسط غياب الأدوية، وقال المصدر في تصريح صحافي، إن "مياه الإسالة في عموم البصرة ملوّثة بالأملاح والمواد البكتيريّة ومياه المبازل والصرف الصحي".
واضح أنّ وزارة الصحة والبيئة عاجزة عن معالجة الحالة المتردية للغاية بسبب الفساد الإداري والمالي الذي استحوذ أصحابه على مدى خمس عشرة سنة على مليارات الدولارات من الموازنات المخصّصة لمشاريع التنمية والخدمات العامة.
مهنيّاً، بوصف الوزيرة طبيبة، وسياسياً بوصفها وزيرة تمثّل أحد الأحزاب في الحكومة، كان على الوزيرة أن تستقيل، مادامت هي ووزارتها عاجزتين عن وضع حلول عاجلة للمشكلة.
للمقارنة، أمس أعلن وزير البيئة الفرنسي نيكولا أولو، وهو من أكثر الشخصيات المشهورة والمحبوبة في حكومة الرئيس ماكرون، استقالته من منصبه، والسبب "تراكم خيبات أمل" إزاء
اتّخاذ خطوات غير كافية لمعالجة تغيّر المناخ وحماية التنوّع الطبيعي ومواجهة التهديدات البيئية الأخرى، بحسب ما أعلن هو.
كم الفرق هائل والبون شاسع بين موقف وزيرتنا وموقف الوزير الفرنسي؟؟!!