إياد الصالحي
أي تأريخ سيدوّنه المؤرخون عن حقبة رياضة العراق بعد 100 عام، سؤال يتقافز الى ذهني كلما شهد واقعها أحداثاً مهولة وسلوكيات لا تمت لقيمها بصلة، وهزائم في الشخصية الرياضية قبل أن تطِأ محفل التحدّي، ووجوه مستئذبة تعشق الترهيب والتهديد لتغنم بمصالحها، أي خيبة أمرّ مما يتجرّعه أصحاب نظرية "التاريخ من الأسفل" وهم يتصدّون عام 2018 لرصد التحوّلات اللافتة للرياضة والطبقات الحاكمة فيها وفق تصنيف (النزاهة والفساد) ؟!
وإذا كان المكسب المعنوي المُبهج للمؤرّخ الرياضي العراقي أن يحفظ للأمة العراقية أول مباراة مسجلة في تأريخ كرتها كانت يوم 17 آذار 1918 في منطقة الشيخ عمر بين مدرسة المعلمين ودار المدرسين الابتدائية، فستكون الخسارة المُبكية بكل تأكيد لمن سيقرأ بعد مئة عام لما يجري في عام 2018 من تشرذم خطير لقطاع الرياضة بكل مفاصله ولهاث وارثي المناصب عنوة بالعلاقات والمغريات و(العين الحمرة) طمعاً بمزيد من مدد البقاء في نعيم الاتحادات، يكيّفون مصيرهم مثلما يشاؤون، لا انتخابات ولا وصايا ولا تعليمات، هُم مماليك عصرهم وضحّوا بأموال الحكومة من أجل بناء أعلى سقوف التحصين مع أن الفشل صديقهم الحميم إذا ما أرادوا أن يختبروا مدى جدارتهم في توظيف كل سنيّ البقاء من أجل الحصول على نتيجة مشرّفة في المنافسة بين الأبطال بألعابهم، يقيناً لن ينالوا حتى شرف الصعود للمنصّة زهواً بالعلم والبكاء انتشاءً بـ"موطني".
بعد مئة عام، سيذكر المؤرّخ أن رئيس حكومة العراق حيدر العبادي لم يأبه لنداء كاتب السطور وهو يحذره هنا ثلاث مرات بأن الرياضة التي نفخت في بوق السلام فجر الثلاثين من تموز 2007 ليعانق أهل الوطن أنفسهم فرحاً لما صنعه سفاح الكرة يونس محمود ورفاقه بتتويج العراق زعيماً لكرة آسيا، هي نفسها الرياضة أخذت تنفخ في نار حرب مسؤوليها، وتسفك الدموع ألماً على هدر ملايين الدنانير، ونفور مواهب غضّة تحت هراوة التزوير، وتهالك أندية عريقة بسبب إهمال إداراتها، وتصارع قوى متنفذة في هذه المؤسسة وتلك كل يبحث عن زلل الأخرى في كمائن رسمية لا يهمهم تبعات فضائحها.
من يمتلك القرار الرسمي إذن لإيقاف المهزأة الكبرى في الرياضة إذا صمت العبادي وهو المسؤول التنفيذي الأول عن كل ما يتّصل بتخصيص الأموال للمؤسسات الراعية للرياضة وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية والاتحادات والأندية وتذهب 70% منها الى الجيوب كرواتب وتذاكر سفر ومعسكرات ترفيهية وبروتوكولات غامضة مع سفراء أجانب تضمر صفقات مريبة بدلالة غياب الفعاليات المشتركة، ومحاكم تئنّ من ملفات رياضية غير محسومة، ومواقع ظلّت شاغرة بهيئات مؤقتة خارج مُددها الشرعية، وعرّاب نظام أساسي للعبة جماهيرية جلب الخراب لها يتفاخر أن جميع الدعاوى ضد عمله لن تهزّه بعد أن بلغ قمة الشعور بانتحار المبادئ وهو يتلقى كل يوم نبأ براءة اللجان الخاصة بالانتخابات من قراراتها الباطلة، وغيرها من تهديدات عبر برامج حوارية تتحدّى الكاميرا على وجوب إظهارها لإثارة الرأي العام وترهيب المرسلة إليه (لا تندك بينا! (
ماذا سيكتب المؤرّخ بعد مئة عام، إذا كان خبير رياضي بقامة الدكتور باسل عبد المهدي يُحلل الأزمة مشترطاً "إذا لم يتم إكمال إجراء انتخابات الأندية الرياضية، فإن كل عملية انتخابات الاتحادات المعنية ستعد باطلة" ويضيف "كيف عالجت اللجنة الأولمبية موقفها وهي لا تزال كياناً منحلاً حسب قرار المحكمة الاتحادية حتى تستكمل مراحل تشريع قانون جديد لها"؟! ولم تعِ الأولمبية خطورة عدم تحقيق شرط عبد المهدي، بل مضتْ بالتنسيق لانتداب محامين يشرفون على انتخابات الاتحادات ويضعون توقيتاتها اليوم الخميس في مؤتمرهم الصحفي بالمنصور.
مأساة حقيقية متوالية وموجعة يمكن للمؤرخ مستقبلاً أن يستكشف انقلابات مهمة في ستراتيجية الرياضة العراقية والفكر النخبوي لخبرائها أيضاً، فمواقف كثيرة دعت شخصيات مؤثرة في الحراك الرياضي لتغيير قناعاتها بحكمة متوازنة ناشدت بتدخل الدولة بقرارات اصلاحية لانتشال القيادة الأولمبية من تهوّر (طلاب على مقاعد الدراسة فازوا برئاسة بعض الاتحادات) كما وصفهم عميد الصحافة الرياضية العراقية د.ضياء المنشئ في حديثه للمدى في آذار 2009، فبعد أن وقف معارضاً قرار الحكومة 184 لعام 2008، عاد ليؤكد "نحتاج الى قرار جديد بأسرع وقت يرسم اشكال الشخوص المناسبين كل حسب موقعه، ولا خلاص لنا من الفوضى إلا باعتماد هذه التوليفة: رئيس لجنة أولمبية (تكنوقراط) مع ثلاثة نوّاب فاعلين وأمين عام وآخر مساعد له (غير منتخب) وأمين مالي، وخمسة أعضاء، يصبح لدينا مكتب تنفيذي مؤلف من أحد عشر عضواً، هنا من الممكن أن نبادر الى تعيين خبراء بصفة (أعضاء شرف) يعطون المشورة لرئيس اللجنة الأولمبية، ويمكن إضافة مدير عام تنفيذي، وبهكذا هيكلية نصل برياضتنا الى مرحلة متقدمة من النهضة، أما إذا تسرّب الطلاب الى مقاعد التنفيذية، فأدعوكم الى قراءة السلام على أولمبيتنا!!
وحتى يصدر قرار الإصلاح الحكومي المهدرج على نار خبرة المستشارين، ندعو الجميع لضبط النفس والاحتكام لأخلاقيات الرياضة ومراعاة حرمتها وألا تنتهك ذمتها أمام المؤرخين.