محمد حمدي
أثمرت برامج التضاد بالرأي في تبنّي القضايا عن نجاحات هائلة إبان حقبة الحرب الباردة جعلت الناس تتغنّى بالمنتصر الموهوم حوارياً وتتناسى تعلّق الأمر بحياتها في موضوعة النقاش والاختلاف، فصارت النتائج تحسب للمحاور، وليس لمن يقف بعده ويمثل طروحاته وأنه في حقيقة الأمر يسير وفق نهج إعلامي يتبع أساليب المحاماة في الدفاع عن قضايا محسومة أصلاً !
شهدنا ووقفنا على نماذج عدّة من هذه الندوات واللقاءات الحوارية المتشنّجة بطابعها المسرحي مع ظهور برنامج الاتجاه المعاكس، ومناسبة حديثنا هو تعلّق الاسلوب والمنهج في الحياة الرياضية اليوم التي أوغلت في التضاد وعكس الصورة الإعلامية المتضادة المختلفة بأبشع صورها دون التوصّل الى خيوط الحقيقة وعلاج أدران الرياضة التي تئنّ تحت وطأة التخلّف والتزوير والمحسوبية واعتماد الشخص غير المناسب بدليل ما خرجنا به اليوم من حصيلة في دورة الألعاب الآسيوية بمشاركة مذلّة وقفنا بها عند حاجز العدد 27 في الترتيب الآسيوي برصيد ثلاث ميداليات فقط لم تكن كفيلة بحفظ ماء الوجه لرياضة عريقة واتحادات موغلة في القِدم بعمق التاريخ الرياضي.
لنا أن نقارن فقط حصول الأشقاء في البحرين على 26 ميدالية منها 12 ذهبية، ولا أشير الى الدول العربية الأخرى حتى اترك الجرح ساكناً كيما يبرأ وحيداً يعلّله الصبر. المهم والأكيد هو إننا سنرى بعد أيام من تناول خجول لهذه النكسة الرياضية مع اعذار أكل عليها الدهر وشرب، هي وتشعباتها بهدف الابتعاد عن المسؤولية لحين ادراجها في ملف النسيان، يقابله طوفان جارف باتجاه ما هو دونها بكثير في الاتحادات الرياضية وملفات الانتخابات العقيمة التي لا يعرف مصيرها حتى الآن وغيرها من الأمور التي يسيل لها لعاب المتشدّقين بسلطة القرار الرياضي حتى الرمق الأخير وما أكثرها وأسخنها في شارعنا الرياضي اليوم، والأكيد أيضاً أن حلبة الألعاب وساحة المنافسات ستتحول الى التلفاز ببرامج مثيرة نشاهد فيها جميع ألوان القذف والسباب والتسقيط على طريقة الاتجاه الآخر لشدّ الأنظار وتقسيم الشارع الرياضي بين مؤيد ومعارض لساعة البرنامج فقط وما حولها، وليس لتغيير الأنسب بعديم الفائدة والأصلح بالمبتذل الذي عفا عليه الدهر دون إنجاز يذكر !
إنه ببساطة استنساخ لمشهد دراماتيكي حسّاس أعلى خطراً من الرياضة، ولكنه يصلح لجميع الأجواء والساحات والرياضة واحدة منها بكل تأكيد، وبمعنى أدق وأشمل، فإن التزوير وآفته المرعبة ستبقى قائمة لمشاركتها من اطراف متنوّعة والفساد سيبقى متغلغلاً وربما مد أذرعه الى اتجاهات وابتكارات غير مسبوقة طالما أن طريق الربح والمادة يتطلّب المزيد من طرق الاستنباط للاستمرار ومعها كل ألوان الطيف الفاسد التي قدّمت الينا من قبل ومن بعد 2003 بمشهد يبعث على الإحباط من شدّة ترابطه رياضياً وسياسياً في آنٍ واحد، وهنا ستكون فضيلة الاتجاه المعاكس مادة مخدرة تبقينا على قيد الولع والمشاهدة لصور تنافسية أخرى بعد أن غبنا عن ساحات وحلبات التنافس الشرعية الأصولية بعنوانها الرياضي.
قد يرى البعض اننا نوغل في التشاؤم الى حدود بعيدة ولا ضير في ذلك، فأي مشهد يبعث إلى الأمل وسط تسابق وصراع المؤسسات الرياضية فيما بينها ومن داخل المؤسسة الواحدة أيضاً تضاد وخلاف حاد بين الوزارة والأولمبية والوزارة واتحاد الكرة وصل الى التدويل والاستنجاد بفيفا لرفع العصا وخلاف داخل المؤسسة الواحدة التي يكذّب عضو هيئتها زميله الآخر ورفيق الليل والنهار في مشهد غريب لا يجسده اتجاههم المعاكس تلفزيونياً. خلاف بين الاتحادات وهيئاتها ومن يمثلها واتهامات مالية وإدارية يشيب لهولها الرضيع، أندية وصلت مشاكلها حد الملل حتى وإن كانت مؤسساتية ولا يقوى الوزير بسلطته على فعل شيء يذكر وهيئات مؤقتة لا شأن لها بعالم الرياضة سوى اسمها المهدّد بالزوال مع أنه أحد الحلول الترقيعية إزاء ذلك وغيره، سنستمتع بمنافسات التضاد برغم أنوفنا، فأين البديل؟