adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
نعم، يتبيّن الآن على نحو جليّ لا يُمكن لأحد إنكاره أنّ هناك مندسّين قد تغلغلوا في صفوف المتظاهرين في البصرة، وسعوا بكلّ ما أوتوا من قوة لتوجيه التظاهرات نحو مسار غير مسارها الاحتجاجي على انهيار نظام الخدمات العامة وتفشّي الفساد الإداري والمالي وشحّ الماء، ومن أجل الإصلاح التام الشامل في بنية الدولة والعملية السياسية الفاشلة المعتمدة منذ 2003.
لكنَّ هؤلاء المخرّبين الذين ظهروا في الأيام الأخيرة فقط هم ليسوا أؤلئك الذين تحدّث عنهم من دون دليل بعد أيام من انطلاق الاحتجاجات، رئيس الوزراء ووزير الداخلية وسواهم من كبار المسؤولين في حكومة بغداد والحكومة المحلية في البصرة. أولئك المندسّون لم يكن لهم وجود في الواقع، مثلما لم يكن هناك مندسّون بعثيون ومن القاعدة في احتجاجات 2011، على وفق الاتهامات التي وجّهها يومها رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي وعدد من مساعديه في سبيل تشويه الحركة الاحتجاجية والتعتيم على مطالبها الدستورية المشروعة وتبرير قمعها بالقوة الغاشمة.
المندسّون نفذوا إلى تظاهرات البصرة في الأيام الثلاثة الأخيرة فقط... هم كانوا يحملون الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بما فيها المتفجّرات ويركبون السيارات ويحظون بالحماية، وكانوا أيضاً يدمّرون ويحرقون المؤسسات الحكومية وبخاصة الأقسام التي تحتوي على وثائق تثبت فساد الفاسدين في المحافظة. كما كانوا يوجّهون نيرانهم إلى المتظاهرين وعناصر القوات الأمنية على حد سواء في سبيل خلط الأوراق وإثارة الطرفين ضد بعضهما البعض.
هؤلاء المندسّون لابدّ أن يكونوا على صلة بجماعات مسلّحة خارجة على القانون، وإلّا ما كانوا سيجازفون بفعل ما فعلوه. كانت لهم ولمن وراءهم مصلحة في إحراق الأخضر واليابس من أجل تهيئة المسرح لتدخّل الجماعات المسلحة غير الشرعية وفرض سيطرتها على البصرة والمدن الأخرى، وليس من المستبعد أن تكون هذه الجماعات قد أمّلت نفسها بدعم من خارج الحدود.
هؤلاء المندسّون كان يتعيّن على الحكومة وأجهزتها أن تحسب لهم الحساب وتأخذ بالها منهم وأن تحاصرهم في الحال لإفشال مخطّطهم الجهنّمي.. هذه مهمة الأجهزة الاستخبارية بالدرجة الأساس، وقد قصّرت هذه الأجهزة في واجبها على هذا الصعيد ما يستدعي مساءلتها ومحاسبتها مثلما جرت مساءلة ومحاسبة قيادات العمليات والشرطة.
اهتمّ المسؤولون في الحكومة الاتحادية والحكومة المحلية بالبحث عن"مندسّين" لا وجود لهم في الواقع لإلقاء اللوم عليهم وتبرير أعمال القمع التي طالت المتظاهرين في تلك الأيام، فكان أن استغلّ المندسّون الحقيقيون الفرصة للدخول على خط الاحتجاجات السلمية والعبث بالأمن.
كم من الوقت وكم من المرّات تحتاج الحكومة وأجهزتها لكي تتعلّم، فلا ترتكب الأخطاء المرّة بعد الأخرى؟