adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
لم تكن جلسة مجلس النواب الثانية المنعقدة أول من أمس في بغداد شرعية ولا دستورية .. هذا صحيح، ولم تكن ذات نفع لصالح القضية التي انعقدت من أجلها، قضية البصرة .. هذا صحيح أيضاً، لكنّها مع ذلك لم تكن من دون فوائد.
الجلسة الأولى انعقدت وانفضّت وكأنها لم تنعقد، بخلاف أنها سجّلت حضور أعضاء المجلس ليُحسب بدء دوامهم واستحقاق رواتبهم ومخصصاتهم من يومها، فأمّنَ الأعضاء لأنفسهم أنّ رواتبهم جارية ومخصصاتهم مضمونة تُصرف لهم "على داير ملّيم" سواء أدّى مجلسهم المهمة المنوطة به أم ظلّ أسير التجاذبات والمناكفات والصراعات بين قوى سياسية غير مهتمّة بغير مناصب الحكومة التي يمثّل كلّ واحد منها البقرة الحلوب المدرّة الذهب بدل الحليب لمتولّي المناصب ولأحزابهم. ومن أجل هذه المناصب وليس لأيّ سبب آخر "فُركِشتْ" تلك الجلسة من دون أن تؤدي الغاية الأساس منها: انتخاب هيئة رئاسة مجلس النواب بوصفها الخطوة الاولى للمضي بالاستحقاقات الدستورية اللاحقة، انتخاب رئيس الجمهورية وتحديد الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً وتكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة.
جلسة أول من أمس (الثانية) تبدّت لنا حفلة للّغو في مقهى شعبي أكثر منها جلسة لأعلى سلطة في البلاد تنعقد في ظرف مُتخم بالمخاطر. ومع ذلك فهي ليست من دون فائدة كما قلتُ سلفاً.
أولى الفوائد أنّ الفضائيات عرضت لنا بها فقرة تلفزيونيّة مسلّية تستحقّ المشاهدة بانتباه من أوّلها إلى آخرها.
ثانية الفوائد أنها قدّمت الى الشعب العراقي دليلاً جديداً على أن الطبقة السياسية التي جرى تسليطها على رقابه لم تتعلّم شيئاً من تجربتها الخائبة، الفاشلة، المدمّرة على مدى خمس عشرة سنة، وبالتالي فإنها لن تتعلّم أبداً، فمَنْ شاب على شيء شبّ عليه.
ثالثة الفوائد إنّ الجلسة أظهرت أنّ هذه الطبقة تحتاج الى إعادة تعليمها وتدريبها على قواعد حسن السلوك، من مرحلة الابتدائية الى مرحلة الجامعة. في الابتدائية وبعدها المتوسطة والإعدادية تعلّمنا كيف نرفع أصابعنا طلباً للإذن بالحديث، وتعلّمنا كيف نكون مؤدبين ونحن نتحدث إلى الآخرين، وتعلّمنا كيف نُظهر الاحترام والتبجيل لمعلّمينا ومدرّسينا وأساتذتنا ومدراء مدارسنا ولبعضنا البعض.. وهذا كلّه لم يتحقّق في جلسة أول من أمس إلّا جزئياً.
رابعة الفوائد أن الحكومة المنتهية ولايتها قد تبدّت لنا في حال من الضعف قد تستحق معها الشفقة، وهذا دليل على أنها، برئيسها وأعضائها، أو معظمهم في الأقل، ليسوا على قدر الكفاءة والخبرة والمهنية المُستحقة لحكومة بلد مثل العراق، وبالتالي لا مناص من أن يكون تشكيل الحكومة الجديدة على وفق أسس وقواعد وشروط مختلفة تماماً عن الأسس والقواعد والشروط التي حكمت تشكيل الحكومة الحالية وسابقاتها جميعاً.
لابدّ أخيراً من تسجيل أنّ محافظ البصرة الذي لم يمضِ على تولّيه منصبه أكثر من سنة، تميّز في الجلسه بهدوئه وانضباطه وصراحته وشجاعته وبحرقة قلبه على بصرته التي تحترق. وإذا كان يتحلّى، بالإضافة الى هذا، بالنزاهة فما من شك أنه يستحقّ بجدارة أن يُرشّح لتولّي رئاسة الحكومة الجديدة.