عدوية الهلالي
في صغره ، كان الخليفة المأمون يتعرض للضرب يومياً بالعصا من معلمه دون أن يفعل شيئاً يستحق الضرب ..كان يسأل معلمه : لم ضربتني ؟ فيقول له : اسكت ...وبعد عشرين عاماً ، وعندما تولى المأمون منصب الخلافة استدعى معلمه وقال له : لم كنت تضربني عندما كنت صبياً ؟!فابتسم المعلم وسأله :ألم تنس ؟ فقال المأمون :والله لم أنس..فقال له المعلم : حتى تعلم أن المظلوم لاينسى ..فالظلم نار لاتنطفئ في قلب صاحبها ولو مرت السنون ...
كم عراقياً نام مظلوماً وكم عراقياً نام ظالماً ؟...واذا كان نوم المظلوم أخف وطأة من نوم الظالم كما يقول المثل الشعبي فلماذا يكثر الظلم في بلدي ؟...هل صار النوم مطلباً كمالياً ليتخلى عنه الظالمون أم أن الظالم بات ينام ملء جفنيه لأن الضمير هو من يؤرق المرء ويحاسبه على أفعاله ويبدو أن الضمائر ذاتها نائمة لدى الظالمين والا لما وجدنا أطفالاً يشكون اليتم والعوز ، ونساءً تشكو التهميش والعنف والفاقة والترمل والعنوسة ، وخريجين جامعيين وحملة شهادات عليا يعانون من البطالة ..الظلم في بلادي يرتسم على ملامح شيوخ وأمهات ثكالى فقدوا أبنائهم ، وتراه جلياً في أماكن العمل عندما يتم اختيار المناصب على أساس المحاصصة والمحسوبية ، وفي المحاكم حين تتم محاكمة أبرياء ويدانون وتنفذ بهم أحكام قد تصل الى الاعدام ..وفي المستشفيات عندما يعجز الفقيرعن تسديد ثمن علاجه ..فهل يجهل من يقف وراء كل هذا الظلم إن العراقيين يعانون منه وإنهم ينامون مظلومين يومياً على أمل أن تصحو ضمائر الظالمين ؟...ألا يخشى هؤلاء الظالمين من عواقب ظلمهم ومن صحوة المظلومين من نومهم واتخاذهم القرار بالانتقام واستعادة حقوقهم والتخلص من كل أشكال الظلم الواقع عليهم ؟...
يقول المهاتما غاندي " العصيان المدني يصبح واجباً مقدساً عندما ينعدم احترام القانون ويعم الفساد في الدولة ..والمواطن الذي يتعامل مع هذه الدولة يصبح مشتركاً في الفساد وتغييب القانون "...هل يعني هذا إننا جميعاً مشتركون في الفساد وتغييب القانون ؟...ربما يكون ماقاله المهاتما غاندي صحيحاً فالساكت عن الحق والظلم شيطان أخرس ، ونحن نراقب بصمت انسحاب حقوقنا من تحت أيدينا وقد نشهد ضياع بلدنا نهائيا بعد أن أصبح سلعة يتاجر بها السياسيون ويعرضونها في سوق النخاسة ونكتفي بأن نترحم على أمواتنا ونلعن من كان السبب في خراب نفوسنا وبلدنا ..
المشكلة أن العراقيين جربوا نتائج التظاهر ودفعوا ثمنها غالياً ،والبصرة التي خاضت انتفاضة سلمية للحصول على حقوقها تتحول حاليا الى ساحة لتصفية حسابات سياسية بين الأحزاب المتناحرة على بلوغ مناصب حكومية ..إنه الصراع من أجل البقاء وسيكون البقاء للأقوى وتظل الخدمات معطلة والظلم شاخصاً ، وسيظل المواطن البصري وبقية المواطنين العراقيين يفضلون النوم مظلومين بعد أن جربوا كل الوسائل لقلب الطاولة على الظالم دون جدوى ، وبالتالي قد تتكرر مأساة الانتفاضة الشعبانية وتتم معاملة المنتفضين السلميين كمخربين بعد أن اندّس بينهم من حرق ودمّر للنيل من سلمية انتفاضتهم ، وقد يعيد التاريخ نفسه وتستغل السلطة المواطن المظلوم لتمارس ظلمها ضده بأسلوب جديد ، وتهون بالتالي أزمة البصرة مقابل تشكيل حكومة قد تبني ركائزها على النار والدم ..