adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
فقط بعد خرابها، قرّر رئيس الوزراء حيدر العبادي المغادرة إلى البصرة، صحبة عدد من الوزراء والمساعدين، ليعلن أنه لن يبرح المدينة المنكوبة إلا بعد أن تعود الخدمات إليها، فيما كان عليه أن يفعل هذا بعد أسبوع واحد من اندلاع الحركة الاحتجاجية الجديدة مطلع تموز الماضي، أو بعد شهر على أبعد تقدير (سبق له أن زارها على عجل وبوجل).
ليس في وسع السيد العبادي المنتهية ولايته في غضون أيام أو أسابيع أن يفعل ما له قيمة كبيرة للمحافظة المُهملة عمداً والمُستنزفة ثرواتها الطائلة على أيدي مافيات الإسلام السياسي التي حكمتها على مدى الخمس عشرة سنة الماضية. كلّ ما يُمكنه فعله أنه سيقدّم للمدينة وأهلها ما يوازي المسكّنات لمريض يكابد الآلام المبرحة من مرض مزمن، حتى تنتهي ولايته وينتهي معها صداع رأسه. لن يمكنه أن يزيح مسؤولي المحافظة الفاسدين الحاليين (من أعضاء في الحكومة المحلية ومجلس المحافظة ومن مدراء في الدوائر والمؤسسات الحكومية ) وإحلال مسؤولين وطنيين، أكفاء ونزيهين، محلّهم ... ولن يكون في مقدوره ملاحقة مسؤوليها الفاسدين السابقين واستعادة مليارات الدولارات التي نهبوها من تخصيصات مشاريع الكهرباء والماء والصحة والتعليم والموانئ والري والزراعة والنقل والصرف الصحي، وسوى ذلك الكثير.
لن يفعل هذا لأنه غير قادر على اتخاذ القرارات والإجراءات الصحيحة الحازمة والحاسمة في هذا الخصوص. لو كان قادراً لفعلَها قبلاً. خذوا مثلاً إنه قال بعد اجتماعه مع مسؤولي المحافظة ونوابها إن البصرة "لم تحظ بإدارة مناسبة تنهض بواقعها"، من دون تحديد المسؤوليات، وزاد على هذا بالقول إن "ما حصل في البصرة ( من أعمال تخريب وحرق) نزاع سياسي باستحقاق كامل ولا يجوز تحميل المتظاهرين السلميين مسؤولية أعمال الشغب التي نفّذها مخرّبون" (جزاه الله خيراً عن هذه الشهادة المتأخرة)، من دون أن يسمّي الأشياء بمسمّياتها، فالبصرة تشهد الآن اعتقالات، بعضها لا يميّز بين المتظاهرين السلميين والمخرّبين الذين دخلوا على هامش التظاهرات، وهم من قوى سياسية ومليشياوية يعرفها السيد العبادي تمام المعرفة لكنه اختار التلميح إليها من دون التصريح. أي فائدة يمكن أن يجنيها البصريون وعموم الشعب العراقي من كلام رئيس الوزراء بهذه اللغة المواربة إذا كان رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة الذي بإمرته نحو مليون من مسلّحي الجيش والشرطة فضلاً عن عناصر الأمن والمخابرات والاستخبارات، غير قادر على وضع النقاط على الحروف، فمَنْ في وسعه وقدرته فعل هذا؟ وما النفع الذي يجنيه العراقيون من كلام مسكون بالخوف كهذا؟
البصرة لن تنعتق من معاناتها، وسائر مدن العراق لن تتحرّر من محنتها التي لا تختلف إلا في التفاصيل عن محنة البصرة، مادام كلّ ما يجري ويدور هو مجرد إعادة انتاج وتدوير للفاشلين والفاسدين في إدارة الدولة، والشعار المطروح الآن بعدم تولية رؤساء الحكومات السابقين من جديد لن يكون له المفعول السحري المنتظر، فما رؤساء الحكومات الاّ قمة جبل الفساد الرازح على صدور العراقيين.