TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: نزاهة نوبل العلوم وفوضى نوبل الأدب

قناديل: نزاهة نوبل العلوم وفوضى نوبل الأدب

نشر في: 15 سبتمبر, 2018: 06:48 م

 لطفية الدليمي

مع اقتراب الموعد السنوي الثابت للإعلان عن جائزة نوبل للآداب الذي كنا نترقبه بشيء من المتعة ونحن نتوقع فوز كاتبنا المفضل، نفتقد هذا الخريف موجة الهرج الصاخب حول توقعات الصحافة الأدبية في العالم وتوقف سوق الرهانات - الأقرب لرهانات سباق الخيل - عمّن سيكون صاحب الحظوة في نيل التكريم العالمي الأرفع بجائزة نوبل التي ستكفل للفائز شهرة غير مسبوقة مع الامتيازات المالية المترتّبة عليها .
فقد أعلنت لجنة جائزة نوبل وبسابقة مؤسفة عن خلوّ لائحة نوبل لهذا العام 2018 من جائزة الأدب وترحيلها للسنة القادمة 2019. لست هنا في معرض التعليق على الحيثيات المعيبة والمخلّة بالأخلاقيات الإنسانية التي رافقت الإعلان عن تأجيل نوبل للأدب هذا العام ، ولست معنية كذلك – لا قليلا أو كثيرا- بغياب سوق المراهنات الأدبية التي تصدع رؤوسنا كلّ عام ؛ غير أني سأتناول هذه الموضوعة من زاوية محدّدة تختصّ بطبيعة العلاقات الإنسانية المشتبكة وما يشكّل الأساس الذي تقوم عليه البنية التحتية لكلّ من العلم والأدب، تلك البنية التي تراكمت عبر التطوّر وغدت جزءاً عضوياً في هيكلية تأريخ الأفكار الإنسانية.
تتمحور الموضوعة الخلافية التي أريدها مدخلاً لتأشير الخلل الخطير الذي أصاب نوبل الآداب -والجوائز الأدبية بعامة- في معيار النزاهة المؤسسة على قدر كافٍ ومتفق عليه من الموضوعية في تقييم كلّ من الإنجازات العلمية والأدبية،وهنا سوف يسارع الكثيرون لتأكيد مقولات شائعة بشأن" موضوعية العلم وذاتية الأدب "، التي لم تعُد تُحسَبُ سوى مقولة رثّة يتعكّز عليها بعض قليلي الموهبة والعمل الجاد في محاولة تمريرهم لأعمال تفتقد الحدّ الأدنى المقبول من الرصانة. ونعرف تماماً أنّ الكثير من العلماء هم فلاسفة وأدباء رصينون تعاطوا الأدب في أكثر أشكاله رفعةً وأثروا المدونة الأدبية بإنجازات رائعة مشهودة، والحقّ إنّ المتعاطين الجادّين للحقول العلمية يدركون أنّ العلم يتطلّب قدراً من التخييل الخلاّق لا يقلّ أبداً عن ذلك الذي تتطلبه الحرفة الأدبية، وفي الوقت ذاته يتوفّر أدباء اليوم على معرفة علمية جادة صارت لازمة ضرورية لكلّ إبداع أدبي يسعى ليترك بصمة مؤثرة في عالمنا المعاصر.
إنّ أصل إشكالية نوبل الأدب ليس ذا علاقة بطبيعة التأسيس المفاهيمي لكلّ من العلم والأدب؛ بل يعود إلى نمطية مختلّة في نزاهة شبكة العلاقات التي تشكّل البنية البيروقراطية لكلّ منهما: لو أعملنا ذاكرتنا في إحدى جوائز نوبل غير الأدبية عبر السنوات السابقة لرأينا غياب المراهنات و مزادات التصويت للأسماء المرشّحة؛ بل على العكس هناك شبه إجماع على الأسماء الجديرة بالفوز في حقول الطبّ والفيزياء والكيمياء والاقتصاد – باستثناء جائزة السلام التي ستظلّ مثلبة ووصمة معيبة في تاريخ نوبل-، وواضحٌ أنّ وراء تسخين مزادات الخيول الأدبية شبكة من دور النشر والعلاقات التجارية المعنية باعتبارات التوزيع وتحقيق أقصى الأرباح المأمولة.
قد يخطرلنا أن نتساءل : هل ثمّة من وسيلة تشكّل مصدّاً يحول دون صعود الأعمال الهزيلة أو غير المستحقة لشهرة نوبل الأدبية أو سواها من الجوائز الأدبية المرموقة ؟ سيتفنّن الكثيرون في تصميم وسائل وآليات يحسبونها قادرة على حجب الغثّ وترسيخ الرصين؛ لكنّ الضمير النقيّ المستند إلى المروءة المنزّهة من سطوة المال والرغبات هو ما ينبغي التعويل عليه في النهاية، وكم آسف إذ أدركُ أنّ ذلك الضمير لم يزل غير راسخ في ضمائر النوبليين الأدبيين على العكس من نظرائهم في فروع الجائزة العلمية، ولا نملك سوى انتظار ما ستجود به نوبل الأدبية من مفاجآت قادمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram