TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: الثامن من تموز.. الانعطافة التاريخية

قناطر: الثامن من تموز.. الانعطافة التاريخية

نشر في: 15 سبتمبر, 2018: 08:45 م

 طالب عبد العزيز

دخل يوم الثامن من تموز الماضي تاريخ الرفض العراقي للانظمة الفاسدة، اليوم الذي ثارت فيه جماهير مدينة البصرة، تطالب باالخدمات وأنهاء حكم الأحزاب الأسلامية، التي أورثت البلاد أسوأ السنوات، وقدمت الإنموذج الفاشل في إدارة الحكم وجعلت العراق في أدنى درجات التخلف في الميادين كافة، اليوم هذا سيسجله الضمير العراقي كأنصع الصفحات في تاريخ نضاله الطويل، وستكون البصرة رائدة في مقارعة التخلف والعنجهية الحزبية الفارغة.
ولا يمكن الحديث عن اليوم هذا، بوصفه رائداً في التصريح بالرفض والمقارعة بالأذرع العارية والوقوف بحزم من أجل التغيير، حسب، إنما فتح أمام العراقيين طريقاً جديدةً في التحدي، وتمكن من هز أركان الحكومة الفاسدة، بآلية نضالية جديدة، لا أقول الحرق، أبداً، فالشباب الذين خرجوا لم يحرقوا، ولو كان ديدنهم الحرق لطالت النار كل مؤسسات الدولة، بعد أن بسطوا نفوذهم على المدينة كلها، إنما على العكس من ذلك تماماً، فما أن تحسسوا اختراق العناصر المشبوهة لتظاهرتهم حتى اعلنوا ايقافها، وما أن هدأت الاوضاع حتى هبوا في حملة تنظيفها من آثار الحرق والتخريب، الذي طال بعض المباني والشوارع والتقاطعات.
ولم يكن محافظ البصرة أسعد العيداني ليقف بوجه رئيس الوزراء بالقوة والحجة التي شاهدها العراقيون، جميعاً لولا التفويض الذي منحته الانتفاضة له، لولا إنه وجد نفسه لا يملك قولاً أكثر من الفعل الذي قام به الشباب الغاضب، وهكذا، تجبر الانتفاضة مسؤولي البلاد جميعاً، على البحث في ايجاد المخارج المناسبة لحل أزمات المدينة في الماء والخدمات، الأمر الذي أحرج المرجعية في النجف أيضاً، فأوفدت ممثلها السيد أحمد الصافي للوقوف على قضية الماء الصالح للشرب ومعالجة محطة الـ R0 التي تعاني من مشاكل إدارية وفنية. وما كانت المرجعية قبل هذا لتأتي وتنفق مبالغ من أموالها الكبيرة الى البصرة، لولا الحراك الغاضب والدماء الطاهرة التي أريقت على صعيدها، وهكذا نجد أن منقلباً كبيراً يتجلى في المدينة، المنهكة من خارجها والمعاقبة بثرواتها.
التحول الأخير الذي احدثته احداث الثامن من تموز يكمن في أنها غيرت هتافات مواكب العاشوراء، بعد أن كانت تقليدية تناغم الواقعة المقدسة، ولا تمس مآسي الحياة اليومية للبصريين، على خلاف ما كانت تقوم به بعض المواكب في النجف وكربلاء والحلة، بل وكانت قد أجبرت خطباء وأئمة الحسينيات على تغيير لغة خطابهم التقليدية، وأرغامهم على التحول في الحديث لصالح الناس، الذين ظلوا أسارى البكاء واللطم والندب سنوات طويلة، وهكذا طاف شوارع البصرة المئات من الشباب الشيعي الواعي وهم يرددون" الحسين مو دمعة ولطم الحسين ثورة ضد الظلم" وبذلك يكونون قد قطعوا الطريق على المؤسسات الامنية، التي وقفت تتحسب لنتائج الهتافات هذه، وما إذا كانت ستقف عند الحد هذا أم تتجاوزه.
لقد صفع الثامن من تموز العملية السياسية العراقية صفعة جديدة، بعد الصفعات التي تلقتها في أكثر من مفصل، وكشف زيف الحاكم المحلي مثلما كشف استهتار المركز بما يعتمل في المدن البعيدة عنه، فضح المعادلة البائسة التي تقوم عليها ما يسمى بـ ( الاحزاب الاسلامية) وهتك الستارة القبيحة التي تتقنع بها تحت منظومة هيبة الدين ومظلومية المذهب ورعاية المقدسات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: صنع في العراق

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

 علي حسين عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

التكامل الاقتصادي الإقليمي كبنية مستدامة للواردات غير النفطية

ثامر الهيمص المرض الهولندي تزامنت شدته علينا بالإضافة لاحادية اقتصاديا كدولة ريعية من خلال تصدير النفط الخام مع ملف المياه وعدم الاستقرار الإقليمي. حيث الاخير عامل حاسم في شل عملية الاستثمار إجمالا حتى الاستثمار...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram