إياد الصالحي
لم أشأ أن أتناول ما لوّح به مدرب المنتخب الوطني الأسبق حكيم شاكر من كشف مفاجئ لسرّ التعاقد مع المدرب السلوفيني ستريشكو كاتانيتش وتورّط عضو بارز في الاتحاد قريب من الصفقة بأخذ نسبة منها مقابل تسهيل المصادقة عليها في ظهوره الأول في برنامج ستوديو الجماهير من قناة دجلة الفضائية، باعتبار أن اللجنة الثلاثية التي شكّلها الاتحاد تعاملت بسرية تامة في التفاوض ولم يكن وكيل كاتانيتش عراقي الجنسية ، وأن الأمور جرت وفق ما خطّط للجنة وتم الاتفاق على الصفقة بشكل نهائي.
قلنا ربما تلقى حكيم معلومات مضلّلة وجد نفسه محرجاً في أزمة ثقة وتهمة شراء ذمم ، لننتظر انعقاد المؤتمر الصحفي الذي أعلن عنه المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الزميل حسين الخرساني وندلي برأينا بعده مع اعتراضي على آلية مكاشفة الرجل والضغط عليه الى حدّ استفزازه لمجرّد مجاهرته بامتلاكه معلومات عن ملف الصفقة. وهنا حدثت الصدمة .. حكيم شاكر يتراجع بعد الظهور الأول، ويتشدّدَ بموقف غريب أنَّ لا أحدَ يُملي عليه ما يريد ، ولا يمكنه الذهاب الى فندق بغداد بأمر قسري لم يراع مكانته الوظيفية وكأنه في موضع تحقيق وليس لقاء ودي أمام نخبة من الإعلاميين من حقّهم الاطلاع بشكل مباشر والتفاعل معه كونهم مؤتمنين على رسالتهم بنقل الحقيقة الى الرأي العام.
كان حرياً بحكيم أن يستقتل بالكشف عن معلوماته أمام خليط متنوّع من الإعلام ليستفيد من أجواء النقاش والأسئلة المهمّة ، وشمولية الاستيضاح عن كل النقاط الغامضة في صفقة كاتانيتش، وكيفية إبرامها ومصير الدفعة الأولى من مستحقاته مع أن رئيس اللجنة الأولمبية رعد حمودي أكد عدم السماح بتسليم دولار واحد للمدرب إلا حين مصادقة الأولمبية أوراق العقد - على ذمة حكيم - وصولاً الى رسم الحقيقة كاملة وإيداعها لدى الإعلام الوطني الحريص على محاسبة المفسدين وسرّاق المال والمنتفعين من أموال الشعب كي يضيء جانباً معتماً من الصفقة لم يره رئيس الاتحاد عبد الخالق مسعود الذي فتح قلبه لحكيم بعد قطيعة طويلة طالباً التعاون للاستدلال على المتورّط!
شخصياً أعد دخول حكيم في قضية يكتنفها الغموض لا ناقة له فيها سوى الدفاع عن مصلحة وطن سلاح ذو حدين في هكذا ظروف نوقن جيداً أن الدولة نفسها لم تحسم قضايا أخطر من ملف كاتانيتش عبر مؤسساتها الرقابية مثل النزاهة التي أحالت لجنة الشباب والرياضة البرلمانية لها وللقضاء 210 ملفات بحسب تصريح رئيس اللجنة السابق جاسم محمد جعفر للمدى يوم الأحد 30 كانون الثاني 2017 ومنها مؤرخة منذ زمن النائبين السابقين أحمد راضي وفوزي أكرم ، وقال " من بين تلك الملفات 50-60 ملفاً حُسم إيجاباً أو سلباً وأغلبها أغلق لعدم اكتمال الأوراق الثبوتية وأخرى صدرت أحكام بحق أصحابها مثل رئيس اتحاد كرة السلة حسين العميدي والأمين العام للجنة الأولمبية السابق د.عادل فاضل ، وهناك من فرضت بحقه الغرامات وتم دفعها ، لكن لم نرَ مخالف وراء القضبان".
وكما توقعّنا بالضبط ، أن ما جرى بين حكيم ومسعود خلال المكالمة الأولى في البرنامج نفسه ثم تبدّل موقف حكيم ومحادثته له بغضب أثناء الظهور الثاني ، أشبه بهدنة مؤقتة مع الاتحاد بعد معارك إعلامية ضارية منذ ثلاث سنوات دافع خلالها حكيم عن حقه في الاستمرار مع المنتخب بدلاً من محاربته ومنح الفرصة لمدربين ليسوا أكفأ منه مثلما صرّح أكثر من مرة عبر حسابه النشيط ( تويتر ) ، هدنة لن تأتي ببشائر معنوية ، بدليل لم تمض سوى ليلة واحدة حتى صحا بعدها حكيم على تصريح منفعل يؤكد فيه أنه حرّ في اختيار توقيت ومكان كشف الحقيقة ولا سلطة لأحد عليه ولن تغريه المهام برغم استحقاقه لها وهناك من يسعى للاطاحة بالمدرب الوطني وقتل أجيال كاملة بتهريبها الى أندية خارجية تبخس حقهم وتكبّلهم بمدد قانونية من 3 الى 5 سنوات!
وماذا بعد ؟ حكيم شاكر أدخل الإعلام الرياضي في متاهة مُبالغ فيها ، فإن كان إنقلابه ضد عقد المؤتمر يرمي إلى تحاشي مساجلات الإعلاميين في مؤتمر بغداد فمن حق اتحاد اللعبة أن يستضيفه ضمن طاولة أجتماع مجلسه التنفيذي فقط كونه مدرّب معتمد في منظومته وهو من قطع وعداً لرئيس الاتحاد بالحضور فلِمَ أخلف وعدَه ، وما الذي دعاه ليتردّد في الأمر طالما أن معلوماته تحمي المال العام من الفساد ، ثم لماذا شخصن القضية وهي وطنية خالصة لا تحتمل سوى خيار المصارحة بأوراقها السرية ، وكيف يتجنّب حكيم البوح بالخفايا بعيداً عن أعضاء تنفيذي الاتحاد أو نخبة من أبناء المهنة؟ أما الأوراق غير المعلن عنها والتي أكد أحتفاظه بها وعدم تسليمها إلا لمسؤول حتى لو أراد رئيس الاتحاد صورة منها سيُطلعه عليها بحضور المسؤول نفسه ! فلا مبرّر للتكتّم لأنه لن يفضي الى حل ، بل لضغوط أكبر توسّع دائرة المتهمين وتبقي كاتانيتش في المنطقة الآمنة؟
نطالب حكيم شاكر بعرض ملف الصفقة كاملاً على الإعلام بمؤتمر صحفي يعقده في المكان والزمان المناسبين بأسرع وقت ، ونرفض أن يسلّمه الى أي مسؤول ، فمهما كان موقع الأخير لن تكون غاية تصرّف حكيم أهم من هدف حماية المال العام حيث تأخرت الأجهزة الرقابية عن حسم قضايا المتهمين في خرقه ووحدها السلطة الرابعة تمتلك حق وضع اليد على أوراق الملف لمتابعته مع الجهات المسؤولة وفضح شبهة الفساد فيه عند تكامل التحقيقات ، وغير ذلك فحكيم شريك أصلي إذا ما تم تمييع الحقيقة وضُيّع الملف تحت ضغط العلاقة والمجامة و...التهديد!