TOP

جريدة المدى > عام > مقاهٍ ثقافية وحكايات فنانين وأدباء

مقاهٍ ثقافية وحكايات فنانين وأدباء

نشر في: 22 سبتمبر, 2018: 06:06 م

هل كان للمقاهي الثقافية دور في توثيق سير الشخصيات الثقافية العراقية

زينب المشاط

المقاهي الثقافية تُشبهُ بيوتاً صغيرة يرتادها كبار الكُتّاب والأدباء والفنانون والمثقفون، يتداولون فيها أحاديثهم سواء أكانت خاصة أو تلك التي تُعنى بمنجزهم...

كُنت كثيراً ما أشاهد أفلاماً ومسلسلات لسير حياة الكثير من الكتّاب والفنانين، وغالباً ما تتضمن السيرة المقهى الذي ترتاده هذه الشخصية، وغالباً ما تنشأ علاقة من الصداقة والتقارب بين صاحب المقهى وتلك الشخصيات وأحياناً نجدهم يتجاذبون أطراف الحديث عن حيوات شخصية بشكل غير مقصود وبشكل آخر مقصود أحياناً، ويكون صاحب المقهى أحياناً وبدافع فضوله شاهداً على الكثير من الأحداث التي تلامس هذه الشخصيات....
في العراق لدينا العديد من المقاهي الثقافية التي كان يرتادها كبار السياسيين والمثقفين من أدباء وشعراء وفنانين وشخصيات اجتماعية معروفة مثل مقهى الزهاوي وأمّ كلثوم، ومقهى حسن عجمي ومقهى الشابندر، أما اليوم فأيضاً هنالك مقاهٍ ثقافية وأخرى رياضية يرتادها الجيل الجديد من الفنانين والمثقفين ولكن هنا نتساءل الى أي مدى استطاع أصحاب هذه المقاهي أن يدونوا أحداثاً ثقافية وسياسية مرّت عليهم أو حدثت بين جدران مقاهيهم تلك، والى أي مدى لجأ صُناع الوثائقيات أو أعمال السيّر الى أصحاب هذه المقاهي والاستعانة بأحاديثهم لتقديم أعمال فنية او أدبية توثق ما كان يقوم به هذا الفنان أو المثقف أو الكاتب بين جدران ذلك المقهى وما كان يتداوله من أحاديث سواء مع صاحب المقهى أو مع من يُجالسه، " المدى" كعادتها تُسلط الضوء على موضوعات مميزة قد لا يتطرق لها الآخرون، ولهذا حاولنا معرفة الى أي مدى اسهمت المقاهي الثقافية في العراق في تدوين وتوثيق الأحداث السياسية والثقافية والفنية في البلاد من خلال احتكاكها بالشخصيات المعنية في هذه المجالات....
خلال زيارتنا الى مقهى الشابندر والتحدث الى صاحبها الحاج محمد الخشالي، اشار " إلى ان مقهى الشابندر كان وبحسب موقعه في وسط المدينة يرتاده الكثير من الشخصيات السياسية القديمة والمعروفة، خاصة لأنه على مقربة من وزارة الدفاع، هذا المقهى كان شاهداً على اغلب الاحداث التي مرّت بها البلاد خاصة السياسية، اضافة الى انه من المراكز المهمة التي ارتادتها اهم الاسماء الثقافية في العراق." يؤكد الخشالي " أن الكثير من مخرجي الافلام الوثائقية لقنوات عالمية تزور المقهى وتحاور صاحبها للحديث عن اهم الشخصيات التي كانت تزور هذا المقهى، وبالطبع كوني انا صاحب المقهى اتعاون معهم بشكل كبير، فأنا شهد العديد من الاحداث منذ انقلاب شباط الاسود، وحتى اليوم، اضافة الى انفجار شارع المتنبي العظيم والذي قدمت فيه خسائر عظيمة وهو ابنائي، ايضا انا اتحدث عن اهم الشخصيات التي كانت ترتاد المقهى وبعضهم الذين كونوا علاقات طيبة معي واصبحوا من زبائني الثابتين والمعروفية."
ويذكر الخشاب " إن تعاون صاحب المقهى مع جهات ومؤسسات ترغب بالتوثيق هذه ثقافة ووعي يتميز صاحب المقهى بها، وإن تكوين علاقات طيبة مع كتّاب وفنانين هي أيضاً ثقافة يتميز بها صاحب المقهى قد تعود فيما بعد كنتيجة ايجابية له من خلال ما سيدوّنه من أحداث ووقائع يوثقها أو يقدمها لكاتب أو قناة معينة أو مخرج فيلم ما ."
الباحث التاريخي والتراثي عادل العرداوي يتحدث عن أهم المقاهي التي شهدت أهم الوقائع في تاريخ العراق قائلاً " المقاهي الثقافية في العراق متواجدة وهي كثيرة وروادها متواجدون ولايزال يرتادها أشخاص قدماء شهدوا وقائع قديمة أيضاً ولكن هل كُتّاب السيناريو والمخرجون أو الكُتاب في العراق سيستندون الى تلك الأحداث والى أصحاب المقاهي تلك لتوثيق أحداثها؟ هنا يكمن السؤال."
بعض أصحاب المقاهي وثّقوا بعض الأحداث من خلال الصور ولكنهم لم يوثقوا أكثر من الصور فيذكر العرداوي " إن أصحاب المقهى لا يملكون اهتماماً ادبياً وفنياً في العراق فهمهم الوحيد تقديم الخدمات لزبائنهم، ولكن حين يزورهم أديب أو فنان أو إعلامي يصبح صديقاً لصاحب المقهى وليس لديهم اهتمام فني بما يصدره الكاتب او ما يقدمه الفنان من عمل." ويؤكد العرداوي " إن الكثير من الكتب التي صدرت عن الشوارع أو عن شخصيات ثقافية وفنية أو تاريخية استندت لأحاديث أصحاب المقاهي عن هذه الشخصيات حيث وثقوا حكاياتهم من خلال الاستناد الى أحاديث أصحاب هذه المقاهي."
في مقهى حسن عجمي والذي زارته المدى حاولنا اختيار أكثر الشخصيات الطاعنة في السن، وهو الحاج عباس أبو هاشم كما كان يرغب أن نناديه وذكر الحاج "أنا ومنذ أن نشأت ارتاد هذا المقهى كنت في السابق أرتادها مع والدي، وكنت أستمع لأخبار المارّة هنالك، وأحاديث الفنانين والمثقفين الذين كانوا يجلسون في هذا المكان." ويضيف أبو هاشم " لست انتِ الوحيدة التي جاءت وسألتني عن زوار هذه المقاهي، كانت الكثير من الاذاعات والقنوات المعروفة عالمياً تزورنا وتسأل أما عن أحداث الشوارع والدرابين في هذه المناطق أو عن أحداث سياسية قد تكون المقهى شهدتها أو شخصيات كانت تزور هذا المقهى، أتوقع ان روايات كثيرة كتبت عن هذا المقهى لما شهده من أحداث واقعية، إضافة الى كتب أرخت حياة شخوص أو أحداث كان هذا المقهى بطلها."
هل يا تُرى كان للمقاهي الثقافية الحديثة ذات الدور المهم في تدوين الأحداث السياسية والتاريخية وسيّر الشخصيات كما هي الحال بما يخص المقاهي القديمة؟ علاء علوان صاحب مقهى رضا علوان الثقافي والذي يعدّ اليوم من أشهر مقاهي الكرادة يتحدث قائلاً " يرتادنا الكثير من الاسماء الفنية والثقافية المهمة والمعروفة وقد صوّرت العديد من الأفلام الوثائقية هنا سواء عن المقهى أو عن شخصيات كانت تزورنا أو عن أحداث شهدتها المقهى، لهذه المقهى تأريخ كبير ومعروف، كما إننا اليوم نستخدم طريقة أخرى لتدوين الأحداث وهي إقامة العديد من الجلسات وحفلات توقيع الكتب لكتاب معروفين هذا بحد ذاته سيشكل جزءاً من سيرتهم يوماً ما على انهم كانوا يرتادون هذا المكان أو يقيمون حفلات توقيع كتبهم في هذا المقهى خاصة إن مقهى رضا علوان عرفت بأنها المقهى الأكثر تعاوناً مع المثقفين والفنانين من خلال استضافتهم وإقامة جلسات خاصة لهم."
وقد ظهرت مقاهٍ اخرى مهمة ثقافياً كمقهى "كهوة وكتاب" الذي استطاع على مدى ثلاث أو أربع سنوات ان يجذب اسماءً مهمة وكبيرة لتكون من جزءاً من رواد المقهى كما ان طابع ادارة المقهى أنشأ شيئاً من الصداقة بين رواد المقهى واصحابه وحتى العاملين به، ياسر عدنان صاحب مقهى "كهوة وكتاب " يذكر "أن المقهى شهدت على أحداث فنية مهمة مثلاً عند تقديم مسرحية بوابة 7 للمخرجة عواطف نعيم والكاتب سنان العزاوي هذه المسرحية انطلقت من هنا حيث وزع السيناريو على الفنانين في المقهى، كما تم اختيار الفنانين هنا وأنا قد اكون شاهداً على كواليس الكثير من الاعمال الفنية التي تقدم بالعراق كوني أجالس الفنانين اثناء حديثهم عن هذه الأعمال ولهذا حين يظهر عمل ويكون أحد بحاجة الى توثيق سيرة فنان ما سيتمكن من اللجوء لي أو الى هذا المقهى لمعرفة ما حدث في كواليس خلق هذا العمل او ذاك."
وأضاف عدنان " كان الراحل التشكيلي فهمي القيسي من رواد المقهى وحين توفي قُدم فيلم وثائقي عنه وقد تم تصوير الفيلم هنا لأنه كان يرتاد المقهى، أيضاً اقمنا العديد من الجلسات الثقافية المهمة التي يمكن عدّها جزءاً من توثيق سير الكتاب والفنانين حتى في رحيل الفنان فاضل خليل لقد اقمنا له حفلاً تأبينياً لأنه أيضاً كان من رواد هذا المقهى."

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"سيرك" للشاعرة نور خليفة: دينامية اللغة وتمثلات العطب الوجودي

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

هيباشيا

انتقائية باختين والثقافة الشعبية

مقالات ذات صلة

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)
عام

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)

نجاح الجبيلي تعد جائزة بريتسكر للهندسة المعمارية إحدى أرقى الجوائز العالمية وبمثابة نوبل للعمارة. وهي جائزة عالمية تمنح سنوياً تقديراً "لمعماري أو مجموعة من المعماريين الأحياء الذين تُظهر أعمالهم المُنجزة مزيجاً من الموهبة والرؤية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram