TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: إذا انكسر القلب !

قناديل: إذا انكسر القلب !

نشر في: 22 سبتمبر, 2018: 06:10 م

 لطفية الدليمي

في ثقافات الشعوب المتوارثة هناك حكاية منتشرة بين بعض القبائل الإفريقية ( وربما هي حقيقة ملموسة على الأرض وليست محض حكاية أسطورية ) أنّ رجال القبيلة إذاماأرادوا الإطاحة بشجرة عملاقة معمّرة – لسبب ما – وعجزوا عن ذلك بوسائلهم المتاحة فما عليهم سوى الوقوف أمام الشجرة ثمّ الصراخ على نحوٍ مركّز ومتواصل لبضعة أيام ، وبعدها ستنهار الشجرة وتهوي إلى الأرض ! .
ليس مهمّاً مدى مصداقية تلك الحكاية الأسطورية ؛ فالأسطورة – أية أسطورة - ليست موضوعاً مكرّساً لترسيخ حقائق نعيشها في الواقع بل هي وسيلة لتوجيه الفكر والنظر نحو تفاصيل دقيقة خافية قد نغفلها في خضمّ حياتنا اليومية الزاخرة بمشاغل والتزامات قد تحول بيننا وبين رؤية الكثير من التفاصيل ( الستراتيجية ) المهمّة لحياة الكائن البشري ، وبقدر مايتعلق الأمر بالأسطورة السابقة فالدرس البليغ الذي نخرج به منها هو سطوة الكلمة وقدرتها السحرية على إجتراح أعاجيب شافية مثلما هي قادرة في الوقت ذاته على كسر الروح ولجمها والتسبب بموتها كما حصل مع الشجرة العملاقة.
شاعت في السنوات القليلة الماضية عبارة (متلازمة القلب الكسير) وصارت مصطلحاً طبياً معتمداً بصورة أكاديمية ورسمية في الأدبيات الطبية العالمية ، والغريب في هذا المصطلح الجديد هو حمولته الدراماتيكية التي تبدو غريبة بعض الشيء عن طبيعة المصطلحات الطبية المتداولة ، ويبدو أنّ الخبرة الطبية العالمية صارت تميل أكثر فأكثر نحو تسمية الأمور بمسمّياتها بعيداً عن اعتبارات الصرامة الأكاديمية المفترضة التي قد تكون أحياناً مصدّاً تجاه هبوب رياح التغيير ومعاينة الحقائق على أرض الواقع من غير تزويقات أكاديمية ثقيلة الوقع ، ويعكس الأمر في نهاية المطاف نزاهة وشفافية لدى القيّمين على المؤسسات الأكاديمية العالمية ؛ فهم لن يتردّدوا عن أيّ فعل طالما كان معززاً بإحصائيات معتمدة ووقائع تؤكّد الحالة المقصودة .
أما من حيث الحيثيات فتؤكّد الدراسات الطبية أنّ الانكسار والحزن الشديد الناجمين عن فقدان شغف ما ، أو الإنغماس في عمل لايحبه المرء ويُفرض عليه فرضاً بحكم الظرف أو الحاجة المادية ، أو دراسة فرع لايحبه المرء انصياعاً لرغبة الأهل أو تماشياً مع الإعتبارات المجتمعية المتوارثة ، أو خسارة حبيب تجذّر حبّه في القلب لسنوات طويلة ، هذه كلها وغيرها أمثلة قد تتسبّب بتلف عظيم في العضلة القلبية يشابه في بعض تفاصيله التلف الناجم عن الإحتشاءات القلبية . لم يكن الوصول لهذه الحقيقة بالطبع سهلاً إلا بعد معاينة آلاف الحالات ودراستها والتثبت من دلالتها الإحصائية المؤثرة ، وممّا أكّد هذه الحقيقة هو شيوعها لدى شباب كانوا أصحاء يفيضون طاقة وحيوية ثمّ انتكست حالتهم عقب معايشتهم لواحدة من الحالات التي ذكرتُ بعضها ، وكم إندهش الأطباء المسؤولون عنهم لمعرفة مدى التلف الذي أصاب قلوبهم وهوعادة تلف لايحصل إلا بعد سنوات طويلة من مرض مزمن يصيب العضلة القلبية.
مايهمّنا في نهاية الأمر وبعيداً عن التفاصيل الطبية هو الآتي : إهتمّ بنفسك ولاتفعل مايخالف شغف قلبك وروحك تحت أي ظرف ، واحرص على محبيك وأصدقائك ولاتخدش أرواحهم بكلمة أو بعبارة قد تتسبّب لهم - من غير قصد ربما - بأذى لاتريده لهم بالتأكيد ، والأهم من كلّ ذلك هو أن لاتبخل على من تحبّ بكلمة (أحبّك) اليوم وقبل الغد . أنعش قلبك وقلب من تحبّ بالحب ، وابتعد عن الكلمات الفظة الجارحة ؛ فهي مدعاة لانكسار القلوب ، فلم يعد الأمر مزحة بعد اليوم .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram