رعد العراقي
ما يلفت النظر في الأحداث الرياضية العراقية هو إصرار المنظومة الإدارية على التمسّك بمبدأ التوارث لبعض الإجراءات السلبية التي باتت لا تتماشى مع العصر الحديث ومتغيراته وآيدلوجية الفكر القيادي الذي أخذ يوجّه أدواته نحو البحث عن التطوير كهدف أساس بعيداً عن التعكّز على الظروف لتكون عذراً في أي إخفاق!
إحدى تلك الظواهر التي ما زالت تمثّل وسيلة متلازمة لأغلب الشخوص بمختلف مناصبهم بدءاً من قمّة الهرم نزولاً لما هم أدنى هو اعتماد التبريرالروتيني في محاولة للهروب من المسؤولية دون تبعات يمكن أن تكشف الوجه الحقيقي للتقصير وتحدد الأسباب للشروع في المعالجة العلمية قبل أن تعاد ذات الأسباب في عملية مداورة للفشل وكإننا ندور في حلقة مفرغة لا نريد الخروج منها بإصرار وعناد غريب بدلاً من الركون الى الواقع وانتهاج اسلوب الاعتراف بشجاعة التغيير والاصلاح لكل المفاهيم الخاطئة التي أجهزت على آمال التطوير الذي ننتظره منذ سنوات طويلة.
ما أثار انتباهي هو تصريح عضو اتحاد كرة القدم فالح موسى رئيس وفد بعثة منتخب الناشئين الى نهائيات كأس آسيا بعد خسارة المنتخب أمام ناشئي استراليا، حينما أراد نقل صورة تراجيدية بتوصيف الأجواء قبل يومين بـأنها (مرعبة) نتيجة سيل المعلومات التي وردت الى الاتحاد الآسيوي بوجود تزوير في اعمار لاعبينا واتخاذه إجراءات تدقيق مكثفة هي من ساهمت في نتيجة الخسارة!!
ولا نعلم مبررات الخوف والقلق طالما أن الاتحاد والجهاز الفني واثقان من إجراءاتهما وأن اللاعبين قد تم التأكد من أعمارهم الحقيقية، فما هو السبب في أن نتناسى الجوانب الفنية والأخطاء داخل الملعب وسوء الاختيار والإعداد النفسي والبدني وفوضى اجراءات الاتحاد ونذهب نحو معاقل النأي بالنفس عن أي مسؤولية برميها على الآخرين؟!
مواقف كثيرة أخرى باتت تمثل أدلة على خطورة ما نتمسك به من نهج فكري عقيم كان آخرها مشاركتنا البائسة في دورة الألعاب الآسيوية الأخيرة حينما انطلق سيل التبريرات عن ضعف الإعداد وقلة الأموال المرصودة ، بل وصلت قسم منها لحدود معيبة تتعلق برداءة التجهيزات وسوء التغذية وحتى زيادة وزن اللاعبين التي هي من صلب اختصاص وواجبات المدرب واللاعب اصبحت سبباً مشروعاً لهم في التستّر عن إخفاقهم!
لكن، لم يسأل أحد كيف استطاع إذن صفاء هادي وزميلاه الحصول على الميداليات وهم يعيشون ذات الأجواء والظروف كبعثة ممثلة للجنة الاولمبية العراقية، بينما تساقط الآخرون سريعاً وغادروا دون أن يتركوا أثراً يشير الى قدرتهم وجديتهم في المنافسة؟
لقد اعتاد البعض في استخدام اسلوب مبتكر يتمثل في وضع (مسببات الإخفاق) حتى قبل الذهاب الى اي منافسة خارجية في حركة تنم عن (فشل استباقي) نفسي وتكتيكي يهدف الى ضمان موقفه الشخصي قبل قلقه على المشاركة ونجاح مهمته وهو اسلوب يحمل من الدهاء الكثير وإن كان يوصف بالكلاسيكي، لكنه يبدو ناجحاً كورقة انقاذ له بعد أن غابت سلطة المحاسبة والتشخيص وتنوعت فنون الخداع الإعلامي التي اصبحت متاحة في الترويج وتلميع صور الفاشلين على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية.
وهنا فإن اي مهمة مهما كانت النتائج سواء بالنجاح فإنها تضمن تعابير العبقرية والجرأة والمقدرة الفنية العالية في تجاوز الظروف وإن كانت عكس ذلك فقد رمى بالعذر الجاهز واحتمى خلف عبارة (نقص الإعداد وقساوة ظروفنا! )
باختصار.. لابد من تحرير الذات والارتقاء بحجم المهام الى حيث التركيز على حداثة الفعل والتصرّف في خطواتنا بتجرد بعيداً عن اساليب الاختفاء وتدوير الفشل على حساب التحصّن عن أي مساءلة، ونقولها بكل صراحة إننا ما زلنا بعيدين بمسافات طويلة عن دول آسيا والعالم فنياً ونفسياً، وسنبقى كذلك طالما أننا ما زلنا نقدّس التبرير ونرفض العمل والتطوير.