علي حسين
مرّة أخرى.. الإنجاز الأبرز لسياسيّي الصدفه أنهم نجحوا في تلويث الضميرالإنساني، بحيث صار هناك من يطرب ويشمت عندما تقتل امرأة عراقية ذنبها الوحيد أنها ساندت تظاهرات شباب البصرة، بل إنّ البعض شعر بالنشوة لأنّ سعاد العلي التقطت ذات يوم صورة مع القنصل الأميركي في البصرة، ولعلّ ما جرى في هذه الحادثة البشعة يؤكد أنّ أشياء كثيرة لم تتغيّر، وأن هناك من لا يريد أن يتعلّم، بدليل جريمة مقتل سعاد العلي، وهي تكرار لجريمة المحامي جبار كرم،مثلها مثل جريمة إطلاق الرصاص على المتظاهرين الشباب، فالذي حدث أنّ مواطناً عراقياً فقد حياته، لأنّ القانون جرى تغييبه بمعرفة من يضعون أنفسهم فوق القانون.
عندما تقرأ على شريط الأخبار أعداد المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، أكثر من ثلاثين شخصاً، لانعرف منهم سوى أسماء قليلة جداً،ستسأل نفسك هل الامر مجرّد أرقام في لعبة الصراع على الكراسي؟ وعندما تشاهد نائبة منتخبة"انتصار الموسوي"تحلف بأغلظ الأيمان أنّ تظاهرات البصرة تقف وراءها القنصلية الأميركية، فإنك تجد نفسك في مواجهة سياسي لايؤمن أنّ لهذا الشعب قدرة على الاحتجاج، وغير معني بهموم الناس، ويصر على أنّ الدنيا ربيع والجو بديع في البصرة، لولا المؤامرة الأميركية.
قبل أشهر كنتُ قد كتبتُ في هذا المكان عن الهجمة التي تعرّض لها الرئيس الفرنسي ماكرون بسبب أنّ أحد أفراد حمايته صوّر وهو"يدفر"أحد المتظاهرين، ولم تشفع لماكرون إصداره بيان اعتذار، فالمدّعي العام بالمرصاد!.لا بأس وأنت تتابع الإجراء الحاسم الذي اتخذه المدعي العام الفرنسي، أن تسأل هل يعرف العراقون اسم المدّعي العام العراقي، هذا إذا كانوا سيُصدِّقون أنّ هناك منصباً قضائيّاً اسمه الادّعاء العام. ثم إنني بكلّ صدق لستُ أعرف: هل اعتقال 100 شاب من شباب التظاهرات، ومقتل أكثر من 60 شخصاً، وتسمّم أكثر من 90 ألف شخص في البصرة لايستدعي أن يركب السيد المدعي العام سيارته"المصفّحة"ويذهب إلى البصرة لمعرفة ما يجري هناك، ولابأس عزيزي القارئ أن تنعش ذاكرتك بأنّ المدّعي العام ربما لم يشاهد ما جرى في جلسة مجلس النواب وكيف أنّ أبو مازن باع واشترى بالكراسي وبكلّ حريّة!.
إنّ ما جرى في البصرة هو جريمة كاملة، وستبقى عاراً يلاحق مرتكبيها ومَن فوّضهم، لكنها ستبقى يوماً مشهوداً يؤرّخ له بأنه اليوم الذي غاب فيه ضمير الساسة، فلم تعد مناظر القتل تثير مشاعرهم مثلما يثيرها لمعان الكرسي.