TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: التوق للكتاب كالتوق لإصبعٍ مفقود

قناديل: التوق للكتاب كالتوق لإصبعٍ مفقود

نشر في: 29 سبتمبر, 2018: 05:38 م

 لطفية الدليمي

مدهش أمر القراءة ! وساحرٌ هو عالم الكتاب ! ولاأحسب أنّ عشق القراءة (عبر وسيط ورقيّ أو ألكترونيّ) سينالها التغيير المحتّم بسبب المتغيرات التقنية في عصرنا الرقميّ وفي عصر بزوغ تقنيات الذكاء الإصطناعيّ غير المسبوقة في السنوات القليلة القادمة والتي بانت بعض تباشيرها في أيامنا هذه ، وربما تكون القراءة واحدة من الفعاليات البشرية الأكثر عصياناً على الإندثار والأكثر تشاركاً بين الكائنات البشرية إذا ما إستثنينا تشاركهم في الفعاليات البيولوجية الأساسية لإدامة الحياة.
لطالما إستوقفتني عبارات صرّح بها الكاتب ألبرتو مانغويل عراب القراءة والمكتبات بشأن الكتاب ، إذ يقول (إنّ رغبة إقتناء كتابٍ ما لا يمكن مقارنتها بالرغبات الأخرى بسبب إنها لاترتبط بالأنانية أو الجشع أو الشهوة ؛ بل إنها الدافع الذاتي لأن تكون جزءاً من شيء أعظم منك ، وأن تنتمي إلى كوكبة من الكُتّاب قد تمنحك معنى حقيقياً لوجودك في الحياة)، ثم ينتهي مانغويل للعبارة التالية المفعمة بحقيقة يدركها الكثيرون من عشّاق القراءة والكتاب : (... وإنني أتوق كثيراً لاقتناء كتابٍ ما كما قد أتوق تماماً لأصبع مفقود...) .
أودّ الحديث هنا عن سماتٍ محدّدة تختصّ بها القراءة بعيداً عن القناعات السائدة التي تجعل من القراءة طقساً أقرب إلى الطقوس التقليدية التي تُمارَسُ من غير شغف أو تفكّر .
أوّل هذه السمات وضوحاً هي أن القراءة تشكّل فعلاً حضارياً يمنح الإنسان شعوراً بالتواصل الثقافيّ والإستمرارية الحضارية عندما يفكّر في حقيقة أنه يخوض غمار فعالية راقية سبق أن خاض غمارها وتجشّم عناء مكابداتها وإبتهج بمسرّاتها أعاظم مفكّري العالم قديمه ولحديثه معاً : أفلاطون وأرسطو ولايبنتز وسبينوزا وكانت وستوارت مل والتوحيدي وإبن عربي وفرويد وفروم ونيتشه ،،، الخ ، وتلك ميزة عظمى لايعرفها سوى من خبر عالم القراءة وإستكشف مسرّاته وكنوزه ؛ ومن هنا تأكيد العالم المتقدّم على تضمين مناهجه الدراسية قراءات أصبحت تعدّ من الكلاسيكيات في ميدانها (مثل الحوارات الأفلاطونية والملاحم الإغريقية والرومانية والنصوص الفلسفية الحديثة والمعاصرة .. الخ) وغالباً مايُصارُ إلى قراءة تلك النصوص بلغاتها الأصلية (اللاتينية) من أجل الحفاظ على ثراء النصّ ونبرته وأفكاره الأصيلة ، وكم أحلم واتمنى رؤية نصوص أعاظم فلاسفتنا ومفكّرينا (التوحيدي والكندي) مضمّنة في مناهج مكثفة لتُقرأ في مدارسنا وجامعاتنا.
السمة الثانية هي أنّ القراءة فعل نبيل يمثّل خصيصة تجمع بين كلّ العقول الطامحة الراغبة والساعية لإنجاز شيء جدّي يمتلك أهمية أساسية في الحياة ، وقد تختلف طرُز التفكير وتتباين الأنماط الذهنية والسايكولوجية لدى المبدعين وذوي القدرات اللامعة ؛ غير أن مايشتركون فيه هو حبّ القراءة والإطلاع والشعور الحميمي مع الكتاب وكأن فيه روحاً حية تناجي القارئ وتخاطبه وحده بطريقة تتناغم مع بصمته العقلية التي لاتشبه بصمة سواها ، وهذا سرّ أساسي من أسرار القراءة المبدعة : يشارك القارئ الكاتب في إستنطاق النصّ المكتوب وإستكشاف أبعاد مختلفة فيه عمّا يتحصل عليه قارئ آخر ، ومن أجل ذلك يُقالُ أنّ في قراءة كتاب رصين خلقاً لأرواح كثيرة.
أما السمة الثالثة فهي كون القراءة تُذكي الإحساس بالشغف وعلى نحوٍ يصبح معه الكتاب أشبه بمعشوق ننتظره بتوق ملتهب وكأننا نكابد جمرا تحت أقدامنا ، ولعلّ من جرّب إنتظار صدور كتاب أو جزء مكمّل لكتاب أثير لديه يعرف مايفعله هذا الشوق الممضّ في روحه العاشقة للكتب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram