علي حسين
بالتأكيد أنت مثلي تابعت نشرات الأخبار، وتأمَّلت صورة وزيرة خارجيّة النمسا كارين كنايسل وهي تحاول أن تجاري عربية إبراهيم الجعفري، ولكنها بدلا من أن تتحدث عن”تجميد المُختلَـف، وتحريك المُتّفـق!”ولم تستدعي احد اجدادها من سلالة ليوبولد الثالث، زووانما اكتفت بان تقدم التحية لأهالي بغداد، لأنهم يناضلون من أجل أن تستمر الحياة!
والآن هل تعرفون ما هو أقسى أنواع الخراب؟ أن تعدو دول العالم باتجاه المستقبل، فيما نحن”محلّك سر”، أن تُصبح مدينة مثل دبي الأولى في مجال العيش والعمل، وبغداد تحصل على المراكز الأخيرة، أن تخسر كفاءات بلادك في سبيل ترسيخ مبدأ المحسوبية وتعميم شعار أهل الثقة لا أهل المعرفة، أن نبحث في قواميس اللغة عن عبارات وجمل لطمأنة الناس، لاجمل مثيرة وغريبة من عينة سبعة في سبعة.
يختصر غاندي الحكاية برفضه خداع الناس:”إني أُؤثر الانتظار أجيالا وأجيالا، على أن ألتمس حرية شعبي بالخطب الزائفة والزاعقة”..فيما نحن نعيش في ظل ساسة يعشقون الخطابة ويزدرون المواطن، فماذا تتوقع عزيزي المشاهد وأنت ترى امرأة أوروبية تتكلم العربية وهي تقدّم التحية لرجال ونساء العراق، فيما يطالبنا البعض بأن نلاحق عباراتهم ونحن ننظر في متون القواميس.
أيها القارئ العزيز لعلّ أسوأ ما نمر به اليوم أن المواطن لم يعد بحاجة إلى إعلام يشكك بمنجزات ساستنا، الناس يعرفون كل شيء، وكل مواطن يملك من المعرفة حول فضائح المسؤولين أكثر بكثير مما تتسع له كل وسائل الإعلام، ما يقوله الناس ينمّ عن يأس من أيّ إصلاح ما دام المسؤول يعتقد أنه فوق القانون وفوق المساءلة وأنه الخطيب الأوحد، دعوني أستشهد بالجنرال الروماني بومبيوس حين قال لمواطنيه يوماً”إلامَ تسألوننا عن القانون، ونحن من نحمل السيف في وجه الأعداء؟”ولكن قبل أن يتحمس البعض ويجعل من جملة بومبيوس شعاراً للمرحلة القادمة، لابد من تذكيرهم بأن الجنرال الروماني لم ينتهِ نهاية سعيدة، وأن جنرالاً آخر انتصر هو يوليوس قيصر.. وكان يوليوس صاحب مقولة إن القيصر يجب أن يكون فوق المساءلة لأنه فوق الشبهات.. وهؤلاء الذين يعيشون فوق الشبهات لم نجد أحداً منهم اليوم يستبدل الخطب الرنانة، ببرامج تقول، ماذا سنقدّم لأهالي البصرة، وما الذي سنقوله للأجيال القادمة حين يسألون أين ذهب مئات المليارات فيما الناس تعيش تحت خط الفقر؟