علي حسين
كلّما يأتي ذكر الزعيم الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا، يخرج علينا مَن يطرح سؤالا: لماذا لايوجد مانديلا عراقيّ؟، بالأمس حمل بريد الصحيفة عدداً من التعليقات حول مقال"من أول صورة"ينبهني أصحابها لأنني صدّعت رؤوسهم بالحديث عن التسامح ونسيان الماضي، إلا أنّ صورة جمعت خميس الخنجر مع نوري المالكي أثارت حفيظتي!.
نعم أنا مع نسيان الماضي وقد اخترت الكتابة عن التسامح الذي يصنعه رجال دولة حقيقيون لا تجار صفقات في الغرف المغلقة، وأوضحت في أكثر من مقال أنّ الكوارث التي حصلت خلال الخمس عشرة سنة الماضية لاتحتاج الى ذكاء لكي نكتشف ان العراقيين دفعوا ثمن غياب الخير والأهم أنهم دفعوا ثمن غياب المسؤولية الوطنية، واعلاء شأن الطائفية والحزبية.
البعض يتحدث عن مانديلا وهو لايريد أن يعرف أنّ الرجل لم يأتِ من فراغ، لا أريد أن أسرد حياة مانديلا ونضاله، فقط يهمّني أن أُشير إلى تفاصيل صغيرة جداً ربما لاينتبه لها البعض، فقبل أعوام أقام المتحف البريطاني معرضاً عن الأديب الإنكليزي الشهير وليم شكسبير، وفي المعرض تمّ عرض نسخ من الطبعات التي صدرت بها أعمال شكسبير، ومن بين هذه الطبعات كانت نسخة من الاعمال الكاملة أثارت اهتمام الزائرين، لم تكن النسخة بخطّ شكسبير، وإنما هي الأعمال الكاملة التي هُرّبت قبل أربعين عاماً إلى زنزانة مانديلا. وقد لاحظ زوّار المعرض أنّ مانديلا قام بوضع حواشي وهوامش كثيرة على صفحات شكسبير، في واحدة من هذه الحواشي يشكر حراس سجنه من البيض لانهم جازفوا وهربوا له اعمال شكسبير.وفي هامش آخر يكتب تعليقا على مسرحية هاملت :"السياسي الشجاع،لا يبحث عن غرائز جمهوره، بل عن عقولهم"
سحر مانديلا العالم ليس لأنه سُجِن اكثر من ربع قرن، بل لأنه كان صاحب الشخصية الساحرة والمناضل المتسامح داخل السجن وخارجه، الرئيس الذي رفض إعادة إنتاج الظلم، ممن أراد نيلسون مانديلا أن يحمي أبناء جلدته؟ أراد أن يحميهم من ضغائن النفس. يقول دي كليرك آخر رئيس أبيض لجنوب أفريقيا :"لقد ضبط العم مانديلا في نفوسنا جميعاً غريزة العنف والكراهية".
ساظل أكرر ما قلته في هذا المكان من قبل: العراق يحتاج الى قوى سياسية فاعلة تنبت من هذه الأرض لاتعترف بفلسفة خضير الخزاعي التي حاول أن يطبقها أيام"المصالحه المستدامة، حيث حاول ان يجمع الرجل الفسيفساء العراقي ليصنع منه معجون محبّة"!