TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: ساعة يكون الوطن فجيعة في أغنية

قناطر: ساعة يكون الوطن فجيعة في أغنية

نشر في: 3 أكتوبر, 2018: 08:24 م

 طالب عبد العزيز

يحيي العراقيون الفارون من بلادهم ليل اسطنبول باغانٍ تتناغم مع الغربة التي في نفوسهم، فهم يرقصون على أنغام أغانٍ عراقية مستلة من ماضيهم الذي كان جميلاً، مطمئناً ذات يوم. نغم من الجنوب ومثله من الشمال وآخر برقصة الچوبي، في محاولة لتأبيد لحظة كانت بوقع ما . تركوا مدنهم التي لم تعد تستوطن، وجاءوا، مدنهم التي مازالت تطردهم الى حيث اللا أمل في الرجوع اليها.
في الرحلة الممتعة التي كانت على ظهر العبّارة التي اقلتنا من وسط مدينة إسطنبول الى جزيرة الأميرات بتركيا، في المركب الذي كان معظم سياحه من العراقيين، الذين جاءوا من بغداد والبصرة والمدن الأخرى، تحلق العراقيون حول أغنية تتحدث عن الحرب، مارشات وأصوات وطبول، كلمات من ريف الوحشة جمعتها فرقة طالت بأعضائها الغربة أيضاً،وتشتت بهم السبل فجاء هذا هارباً من داعش وذاك جاءها ناجياً من بندقية مليشيا ظلت تلاحقه وآخر اضطرته لقمة العيش فطلب فيها ومثله جاء باحثاً عن حريته في المدن البحرية النائية وغيرها، هؤلاء، كلهم وجدوا وحدتهم في أغنية بائسة، تتحدث عن الذين مازالت الاحزاب تزّيف بطولاتهم، وتسفّه البنادق أحلامهم، عبر رصاصها، الذي ظل يطيش هنا وهناك، منذ خمسة عشر عاماً. أعضاء فرقة الموسيقى غرباء والذين رقصوا بجنونهم غرباء أيضاً، هذا وطن يلتقي غرباؤه على ظهر سفينة تبحر تحت سماء آمنة أبداً.
موجع أن تتراجع فكرة الأوطان الى حمكة فاسدة، تلاحقنا في الغربة، الى جسد خرّب يتمظهر في دبكة مرة، وفي أغنية عن الحرب مرة أخرى، وعلى طهر سفين لا احد يعلم وجهته مرّات ومرّات ، هذا البحر كانت رماله وسادة لأكثر أجسادهم طهراً وغربة.
منذ سنوات والعراقيون المطرودون من بغداد والرمادي والموصل والبصرة يستبدلون تراب مدنهم بظهر سفينة، ظلت تبحر غادية ورائحة في بحار كثيرة، بحار تصلهم بشرق وغرب الأرض، لكنهم، ومن بحر مرمرة، الذي بين اسطنبول ذات الشقين، راحوا يبصرون قادم أيامهم في موج أزرق بعيد. هؤلاء الذين يدخلون المدن الغريبة من كلمة في أغنية، من جرس في حنجرة تنوح، من خفقة في جنح طائر يعلم الجهات الأربع كلها فلا يدلّهم.
موجع أن يكون الرقص تعبيراً عن وطن يطردك. إذ ليس الوطن ما تدخره بين قدميك في رقصة على سفينة ، فلا تسميه حلماً، هذا الذي يخذلك مسكوباً من عينين داميتين، أبداً، لن يكون الوطن ما تفقده من رؤاك على موجة لاتصل أبداً.
فلا تجتر وطناً بعيد ترابه عن قدمك، لا تركب ظهر موجة لا تسمّي النخل لك، ولا تجاهر بالشمس في البلاد الباردة، فكن الفجيعة التي بين دمعك ودمك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram