سامي عبد الحميد
اثارتني مقولة المخرج الانكليزي الكبير (بيتر بروك) بأنه حتى في أفضل الدول الديموقراطية يبقى المسرح خاضعاً لسلطة الرقابة ويعلل ذلك بوجود العلاقة الحميمة بين الممثل والمتفرج أثناء العرض المسرحي، خشية ان تعزز تلك العلاقة ما يخدش أو يؤذي السلطة ونظامها. فكان لي أن أتحرى تاريخ الرقابة على المسرح وأصولها ودواعيها.
كان (أفلاطون) قد أبعد الشعراء عن جمهوريته المثالية لاعتقاده إنهم هدامون. ومن ذلك المنطلق تسربت الرقابة على الدراما وعروضها لأن كتابها شعراء. ولأن النص الدرامي قد يكون ملغماً بما هو تهكمي يتفجر أثناء العرض ويدعو المتفرج إلى ابداء رأي تتحسس السلطة الحاكمة من مخاطره على النظام العام والمجتمع.
وفي القرون الوسطى عبّرت الكنيسة عن خشيتها من قوة المسرح في نشر الرذيلة فأصدرت بياناً بعنوان نظرة قصيرة إلى لا اخلاقية المسرح، وذلك عام 1696. وتزايدت تلك الخشية خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وشهرت بعض الحكومات سوط الرقابة بوجه المسرحيين ومنها الحكومات ذات النظام الشمولي.
يذكر التاريخ إن الرقابة على المسرح قد تقوى أحياناً وقد تخفت أحياناً أخرى في بلاد الغرب أو الشرق وقد يستخدم المسرحيون جذعاً لنبتة لتفادي سوط الرقابة وقد يفشل البعض منهم في ذلك فيتعرضون للمساءلة وقد تتعرض أعمالهم للمنع. وكان (فوليير) أحد ضحايا رقابة المؤسسة الدينية في فرنسا خصوصاً عندما عرضت مسرحيته المشهورة (طرطرف) التي تتعرض إلى رياء البعض من رجال الدين واستمر منعها لسنوات طويلة. وفي فرنسا أيضأً تمّ منع مسرحيات الكاتب (بومارشيه) بسبب احتواءها على لمسات سياسية ضد نظام الحكم كما في (حلاق اشبيلية) و(زواج فيغارو) ولم تعرض المسرحيتان للجمهور إلا عام 1775 عندما انتجتها فرقة (الكوميدي فرانسييز).
في بريطانيا اتخذت الرقابة على المسرح شكلها الرسمي عام 1737 بصدور قانون إجازة المسارح أو قانون تنظيم المسارح وكان الغرض من الرقابة هو كتم القوة السياسية للمسرح وكانت مسرحية المؤلف (غاي) المعنونة (أوبرا الشحاذ) قد ازعجت السلطة عام 1728 لما فيها من تلميحات تهكمية ضدها. خلال ذلك القرن استمرت الاعتبارات السياسية تؤثر في قرارات الرقباء وخصوصاً في أيام التوترات السياسية.
بعد قيام الثورة الفرنسية كانت السلطة قد أدركت أهمية الدعاية لنظامها الجديد وجعلت من المسرح أداة لخدمة مطالب الجمهورية بتقديم دروس حول المواطنة الجيدة . ولكن في عام 1793 أعيدت الرقابة وعهدت إدارتها إلى شرطة باريس. وكان الخوف من المسرح كونه أشبه بالمنبر كتبت من خلاله أفكار ثورية وتحول سوط الرقيب تدريجياً من المسائل السياسية إلى المسائل الاخلاقية وبدأ ذلك التغيير في الخمسينيات من القرن التاسع عشر ومن جملة المسائل الأخلاقية التي تعرضت للرقابة حماية الأسرة وحياتها ومن أمثلتها ما تعرضت له مسرحية (غادة الكاميليا) التي اتهمت بدعوتها لخراب الأسرة استناداً إلى قيمة (الجنس) فيها. وفي عام 1874 ، أصدر اللورد جمبرلين أمراً بإطالة (تنورات) راقصات الباليه وفي لندن تمّ تحديد رقصات (الكان كان) في الثمانينيات من القرن التاسع عشر.
يتبع