علي حسين
هل يمكن أن نتخيّل عالماً لم يظهر فيه تولستوي أو فكتور هيجو أو صاحب كتاب العقد الاجتماعي، هل يمكن قراءة تاريخ العرب دون التبحّر في حكايات الطبري، من سيبقى من إسبانيا سنوات فرانكو أم نساء لوركا؟، في كل جمعة وأنا أحثّ الخطى الى شارع المتنبي أشعروكأنني أتجول في عواصم العالم، ويخيل إليّ وأنا أنظر إلى بسطيات الكتب أنني أجوب شوارع اثينا، وأن أفلاطون سوف يطل في أي لحظة بردائه الطويل ليقول لي:”لا يمكن زوال تعاسة الدول ما لم يتمتع حكامها بفضيلة التعلم، إن طلب العلم شرط لمن يتقلد زمام الحكم، والسبب هو ما يتميز به الحاكم المتعلم من حكمة وصدق"، وأن سيمون دي بوفوار ستخرج من صفحات روايتها”المثقفون”لتعيد على مسامعي درس الحرية الذي قال فيه ألبير كامو لسارتر ذات ليلة”لا يمكن للإنسان العاقل أن يختار العيش في قفص، إلا إذا أراد أن يربط مصيره بإيديولوجيات ميتة”فيما سارتر ينظر الى وجه صديقه اللدود الشبيه بوجوه نجوم السينما ليعيد على مسامعه درس المثقف الملتزم :”لا يمكن للمثقف أن يحاكم عصره دون الخوض في أوحاله"، أنظر إلى الكتب التي يغص بها الشارع وأسأل نفسي كيف يمكن قراءة كل هذه الكتب؟ وقبل أن أجد الإجابة أتذكر ما قاله الفيلسوف فرنسيس يبكون لأحد طلبته”بعض الكتب وجد لكي يذاق وبعضها لكي يبتلع والقليل منها لكي يمضغ ويهضم”؟، من أجل هذا القليل قادتني قدماي باتجاه مذكرات أندريه مارلو وزير ثقافة ديغول التي أطلق عليها عنوان”لا مذكرات”أتصفح الكتاب في طبعته الجديدة ليعيدني شريط الزمن الى المرة الأولى التي قرأت فيها كتاب مارلو الذي أراد له ان يكون شهادة على عصر مثير أصر فيه الجنرال ديغول على ان تكرس الثقافة لأقصى حد من أجل إزالة آثار الحرب العالمية الثانية من نفوس الفرنسيين، هذا الجنرال الذي اختلف مع رئيس وزرائه جورج بومبيدو ذات يوم لأن الأخير قال في اجتماع الحكومة”الشعب الفرنسي فوضوي وغير منظم ويحسن بنا أن نقوده، ليعترض ديغول قائلا”إن كلمة قيادة غير لائقة، لا يمكن ان تقاد الشعوب على أهواء سياسييها".، في الوقت الذي نعيش فيه اليوم مرحلة الوزير الالكتروني..هل قرأتم الخبر الاخير، أكثر من 40 ألف متقدم لمنصب وزير في الحكومة القادمة.. 15 عاما من الخديعة، والآن يشغلون الناس بلعبة كرسي الوزير. اتحدث عن الكتب وانا ادرك جيدا ان ساستنا لايقرأون، فهم يوغلون وباسم الديمقراطية، بالتطرف ونهب الثروات، والانتهازية، ويمتطون التغيير لقهر العراقيين وإذلاله.