TOP

جريدة المدى > عام > عرّابو الأدب ونكران الأجيال الجديدة..ظاهرة تدفع كبار الأدباء للتعامل بتعالٍ مع أبنائهم الروحيين

عرّابو الأدب ونكران الأجيال الجديدة..ظاهرة تدفع كبار الأدباء للتعامل بتعالٍ مع أبنائهم الروحيين

نشر في: 13 أكتوبر, 2018: 05:39 م

زينب المشاط

في جلسة شعرية لـ "ع.ع." حيث كان يحتفي بتوقيع مجموعته الشعرية الأولى، سأله مدير الجلسة  فيما اذا كان هنالك من ساهم في  توظيف طاقاته الأدبية بشكل صحيح وساهم بصقل هذه الموهبة الاستثنائية ، فأجاب المحتفى به "أن لا فضل لأحد عليّ سوى قراءاتي المستمرة للكتب.." ، لأُفاجأ بإطلاق ضحكة ساخرة من أحد الشعراء الكبار " م. ر." مُلتفتاً إليّ، قائلاً "هذا الفتى تلميذي فقد أهديته خُلاصة خُلاصتي ..." غادر "م. ر." القاعة... ولم أُعلق أنا بشيء سوى وقوفي أمام هذا الاحتفاء العظيم مكتوفة الأيدي!

مُتسائلة ما اذا كُنّا نقف أمام إبنٍ عاق لعرّابه الأدبي مُتغاضياً عن واجبه الاخلاقي بالاعتراف بهذا الحق، أم أن من حق الابناء أن يتسيدوا عرش نجاحاتهم دون ذكر من ساهم فيها أو ساعدهم للوصول إليها، يبدو أن التغاضي عن الاعتراف بفضل العراب، أو التنكر لمساهمته بصقل المواهب والطاقات الشابة في كافة المجالات الثقافية بات أمراً دارجاً، وليس بغريب، ويبدو أن بعض مُتصدري المشهد من كبار المثقفين قد تعالوا عن تقديم يد العون للجيل الجديد ومساندته، ويبدو إن الأولى خُلقت من ظهر الثانية، والثانية ولدت من رحم الأولى، إلا أن الأمر بسلبه وإيجابه يتوفر في كلا الجيلين، كما ذكر الكاتب الشاب رسلي المالكي إن "الأمر يعتمد على الطرفين وليس هنالك حالة مُطلقة الأمر أخلاقي لا غير."
ومن هنا يجد بعض الأدباء الكبار أن مهمته الثقافية تقوم على دعم الجيل الجديد والمواهب الشابة، وتوظيف طاقاتهم بشكل صحيح، وهذا ما أكده الكاتب حسب الله يحيى قائلاً " أنا أرى الحاضر والمستقبل بالجيل الشاب وأتطلع دائماً للجيل الجديد من المثقفين، وأجد إنه بالفعل أنتج اسماء لامعة أخذت تشق مسارها وتعمق جذورها الثقافية الجادة والرصينة." مؤكداً "إن انشغال الشباب وتوجيههم للطريق الصحيح لتطوير ذواتهم هو مؤشر ايجابي نحو الوعي الذي يحارب نخبة من جهلاء هذا الزمن، إن الشيخوخة لا يمكن أن تكون انانية لأنها تعرف أن كل شيء عرضة للتغيير، كذلك هي في المجال الأدبي فعلى الشيخوخة تقديم تجاربها للجيل الجديد."
من خلال فيلم "جمعية الشعراء الموتى" تتحدث لنا الكاتبة والروائية ميسلون هادي عن شخصية الاستاذ "كيتنيج" مُقارنة اياه بالكثير من الأدباء الشباب والكبار اليوم قائلة "الكاتب الشاب الذي يحمل مشروعاً، ويدركه الأدب هماً يشغله، وحلماً يستغرقه، لا يمكن لأحد من الأدباء الكبار أن ينظر له نظرة ارتياب أو استخفاف أو تعالٍ. بل على العكس من ذلك أجد أن خاصية التحديث والتمرد على القديم في حياتنا الثقافية يمتلكها الأدباء الشباب تحديداً.. وقد يمتلكها الاساتذة من طراز المدرس كيتنج أيضاً."
تجد ميسلون هادي أن الشباب الأدبي لا يتحدد بالسن، بل يحدده التجديد بالمادة ومواكبة التطور والتحديث وتقول هادي" يجب أن نطرح سؤالاً وهو من هو الكاتب الشاب؟ أو المتجدد، وهل العمر كاف لتحديد الإجابة عن هذا السؤال؟ أنا مثلاً اعتبر الكاتبة الاستاذة لطفية الدليمي كاتبة شابة بأهم مقياس من المقاييس المطلوبة، ألا هو ربيعها الثقافي المتجدد الذي يعمل على تموين ثقافتنا بأحدث المعارف والأفكار في عدة مجالات من بينها مجال اللغات الأخرى."
وتؤكد هادي "إن الاسماء الشابة نجد فيها بعض الفئات من أصحاب الرؤيا الذين يحّدثون معارفهم باستمرار، أي الأسماء الجادة في مشروعها وتطوير أدواتها، و(الشكل) يقع في المقدمة منها.. وهؤلاء سيفرضون أنفسهم على المشهد الثقافي بدون تخطيط أو ترويج، إضافة الى وجود أولئك الذين يركبون الموجة."
تقلب ميسلون هادي الحكاية، وتذكر" لوقمنا بقلب الموقف أي ان الشباب هم من لديهم مشكلة مع من سبقهم سنجد أن لا أحد من الشباب أصحاب المشاريع الادبية الجادة لديه مشكلة مع من سبقه بل سنجد أن الكثير منهم يهتمون بآراء من سبقهم."
كل كاتب وشاعر وروائي هو نتاج خبرة وقراءة ومؤثرات، يجد الناقد فاضل ثامر إن "هذه الخبرة قد تكون مكتسبة من المؤثرات نتيجة ملامسته للتجربة اليومية، وقد تكون نتيجة متابعته للكتب والتجارب الأخرى أو الاتصال المباشر بالرواد الذين يكسبون خبرتهم في هذا المجال." مؤكداً أن" اعتراف الشباب بمساهمات وارشادات الكتاب الرواد مهمة ولكنها ليست ضرورية إلا في حالة تأثرها بتجربة معينة لدى ذلك الأديب الكبير وفي حال تجاهلها سيكون هنالك مسؤولية توجب على الأديب الشاب الاعتراف بها."
ويشير ثامر الى حالة التعالي التي يُبديها بعض الأدباء الكبار تجاه الأجيال الجديدة قائلا" حالات التعالي هذه تتوقف على السلوك الشخصي للأديب نفسه ولكني بشكل عام وجدت رغبة تربوية وأبوية لدعم الجيل الجديد والعالم الحقيقي لا يبخل بعلمه على الآخرين."
أدباء شباب يتحدثون عن هذه الظواهر، مُشيرين الى أن الشخصيات السلبية والايجابية ممكن أن تتواجد بكلا الجيلين، حيث تذكر الكاتبة جمانة ممتاز قائلة "من الناحية الأخلاقية على الاديب الشاب أن يعترف بفضل أو دعم الأديب الكبير الذي مرر له خبرته وتجربته، وهذا ليس انتقاصاً من ذات الاديب الشاب بل على العكس حتى اللغة نحن نحتاج الى من يحركها فينا لننطقها، وهنا يكون الموضوع مُستنداً الى الواجب الأخلاقي وليس الإلزامي."
واجب الأدباء الكبار هو نقل رسالتهم لمن بعدهم، من خلال تعليم الأجيال التالية، من هذا المنطلق تجد الشاعرة أفياء الاسدي أن "نقل رسالة الأديب الكبير الى الجيل التالي وبهذا فلا يجب أن يمنّ الاديب الكبير على الشاب بهذا العمل لأنه أمر طبيعي، أما في حال إشارة الشاب إلى فضل الاديب الكبير فهذا شأن اخلاقي يعكس مدى احترام الجيل الجديد للجيل السابق ولكنه ليس ضرورياً، أما في حال عدم ذكر ذلك هذا لا يعني إنه إنكار من قبل الجيل الجديد للجيل السابق له ففي كل الاحوال ذكر الأمر أو عدمه لن يضيف للادباء الكبار شيئاً او ينتقص منهم شيئاً، يجب أن نُشير الى أن الجيل السابق يتحسس من هذا الأمر لأن الكثير منهم يشعر إنه عراب لبعض الأفراد الشباب ويحاول الانتقاص منهم في حال تحررهم من الخضوع له."
حالة النقص بالذات التي يشعر بها بعض الشباب هي التي تقودهم الى عدم الاعتراف بفضل ودعم الأجيال السابقة، يذكر الشاعر أحمد ضياء "إن ذكر شخص أضاف لنا قيمة معرفية هذا ليس انتقاصاً من ذواتنا بل هذا نابع من واجب أخلاقي يحتم علينا الاعتراف بما قدمه الآخر لنا." ويؤكد ضياء " إن من صادفني من الأجيال السابقة من الأدباء كانوا داعمين لي جداً بل أحياناً أتنافس معهم في قراءة بعض الكتب والنصوص، وهم أصدقاء بالنسبة لي لا يتعاملوا معي بتعالِ، ومن يتعامل بتعالٍ من الاجيال السابقة فهذا بعيد عن الحقيقة لأن الواقع يُحتم على الجيل السابق نقل رسالته للاجيال الحالية ."
التواصل بين الأجيال فاعلية وجود إنساني تُفرض فيها حركية الزمن ـ في أبعاده : الماضي ، الحاضر ، المستقبل ـ تشخصها وهي تعلن عن نفسها في تكيفات فعل ثقافي بالمفهوم العام للثقافة، يجد الناقد د. علي حداد أن " المنجز اللاحق يؤسس كثير من أنساق حركيته على ما كان سبقه، حيث يجب توفر اشتراطات التواصل الثقافي المفعمة بخصوصيات اللغة ومهيمنات التمثل المعرفي ونضح الوقائع التاريخية، وتكيفات الهوية وماتبثه من خصوصيات لايمكن نزع المنجز الثقافي من فروضها جميعاً." مؤكداً "لايوجد أديب من الكبار يضع تجربته بمنأى عن الجيل الجديد، ونجد إنهم يهدفون الى وضع تجربتهم بين يدي الأجيال الجديدة بدافع الأبوة ."
ويجد حداد أن أسباب القطيعة تعود الى أن "أغلب الأجيال الشابة التي ينتاب الكثير من أدبائها نزوع متعالٍ على ثقافة بيئتها، ورغبة مدعاة لتخطيها ، بحثاً عن انتماء لثقافة (كونية) يظن الكثير من أولئك الأدباء الشباب إنهم سينالون شارتها حين يعلنون القطيعة مع من سبقهم من أجيال ثقافتهم وابداعهم المحليين."
ويضع د. علي حداد خلاصة لحديثه قائلاً إن "إنكار الجيل المتقدم ـ عمراً وتجربة ـ حقيقة أن هناك من سيأتي بعده ممن يواصل الفعل الثقافي سيرورته به موقف أناني متزمت ، وشيخوخة وعي غاربة . وبالمقابل فإن إنكار الجيل الأدبي الشاب تواصله مع منجز من سبقوه عقوق وهروب إلى فضاء ثقافي آخر سيبقى طارئاً عليه."

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق يعطل الدوام الأحد المقبل

إعادة 20 مليار دينار إلى الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية

بعد سنوات عجاف… هور الشويجة يعود إلى الحياة من جديد

البرلمان يناقش نظام المحاولات وتدرج ذوي المهن الطبية في جدول أعمال جلسته غدًا

إيران تتعهد بتعزيز الشفافية النووية وترفض التفاوض تحت التهديد

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"سيرك" للشاعرة نور خليفة: دينامية اللغة وتمثلات العطب الوجودي

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

هيباشيا

موسيقى الاحد: تصنيف الأعمال الموسيقية

مقالات ذات صلة

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)
عام

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)

نجاح الجبيلي تعد جائزة بريتسكر للهندسة المعمارية إحدى أرقى الجوائز العالمية وبمثابة نوبل للعمارة. وهي جائزة عالمية تمنح سنوياً تقديراً "لمعماري أو مجموعة من المعماريين الأحياء الذين تُظهر أعمالهم المُنجزة مزيجاً من الموهبة والرؤية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram