طالب عبد العزيز
لم تكن حملة الاغتيالات التي تنشب مخالبها في البصرة منذ شهرين، وليدة الفترة هذه، فقد كانت قائمة، فاعلة منذ العام 2003، ولم تهداً إلا لتتذكر من لم تطلهم بنادقها بعد، في متوالية قتل ومطاردة ومظاهر عنف مجتمعي لم تتعرض لها أي مدينة عراقية أخرى. البصرة اليوم مكان غير ضامن للحياة، يستنزف المرء حياته فيها أمراضاً ورعباً، لأنك لا تعرف متى ينسحب بحر الملح من صنابيرها، ولن تعرف من يترصدك في واضح وظلمات نهاراتها، مثلما لا تعرف من سيستوقفك بمسدسه، بل أنت لن تأمن على هاتفك بيدك فيها، هناك عصابات تتخطف هواتف السائرين في الشوارع، هم الأرحم بين هؤلاء جميعاً. أمس، سرق اثنان يستقلان دراجة نارية هاتف ابني، حال خروجه من محل تصليح الهواتف بالجزائر، في قلب المدينة.
تقول الاجهزة الأمنية بأنها توصلت الى خيوط تفيد بضلوع جهة سياسية بحوادث القتل الأخيرة في البصرة، لكنها تقلل من ذلك بقولها بأن بعض المقتولين إنما قتلوا لأسباب ثأرية، وهي جرائم جنائية محض، وهذا أسخف وأخطر ما يمكن أن تصرح به جهة مسؤولة عن حياة وأمن مواطنيها، كل حادثة قتل هي فاتحة لحوادث أخرى. نحن، في المدينة المبتلاة بمثل هكذا أجهزة نتحداها أن تكشف عن الجهة هذا، وهي أعجز وأتفه من أن تسمي شخصاً في الحزب هذا، وهي، بتغاضيها وجبن قادتها، وبسبب ولاءات منتسبيها كانت السبب المباشر وراء كل حوادث القتل وتناميها في العراق. كنت، أعمل مراسلاً لراديو سوا، وكان العقيد(ع.أ) هو مصدر اخبارنا في الشرطة، وكلما هاتفنا بخبر اغتيال أحد المواطنين، قال:(لا تذكر اسمي بالمصدر، قل مصدر أعلامي وكفى) وهكذا، كنا ننقل الخبر بقولنا(قام مسلحون مجهولون باغتيال....).
أيعلم أصحاب القرار الأمني في البصرة وفي العراق الجنوبي بان الأمّ باتت تخشى إرسال ابنها الى الدكان القريب من بيتها؟ ويخشى الأب إذا تأخر ابنه ساعة بعد الموعد، ورعب، أي رعب تعيشه الأسرة، إذا لم يرد أحد أبنائها على مكالمة لهم. الرعب في المدرسة والشارع والسوق وعيادة الطبيب وفي كل مكان نقصده. أنا على يقين بأن نسبة الذين شاركوا في التظاهرات الأخيرة لا تتجاوز الـ 2% من السكان، لكن جميع مواطني المدينة اليوم يتحسسون صدورهم عقيب كل عودة للبيت.
معيبٌ أنْ تظل السلطات الامنية في قيادة العمليات والشرطة متكتمة على الجناة، صامتة صمت القبور، على كل جرائم القتل والقهر والتسليب والتهريب في البصرة، معيب ومخجل أن تعمد كل جهة الى النأي بنفسها عمّا يحدث، إذ أننا لم نسمع يوماً من أي جهة أمنية، بما فيها اللجنة الأمنية في المجلس، قولاً صريحاً لما يحدث. يقول تقرير على موقع السومرية نيوز بانَّ أسرة دينية كبيرة ومعروفة، في البصرة هي المسؤولة عن عمليات تهريب النفط، لكنها لا تسمّى. وزارة النفط أيضاً لا تسمي ولا تصرح كأن النفط المهرب من ورثة الأجداد. ما الذي يحدث في المدينة يا ترى، ومن يبرر لكم صمتكم وجبنكم إذا كنتم ليس أهلاً لتصدي المسؤولية.