علاء المفرجي
بعد فيلمه "تاكسي" المنتج في 2015، والحائز على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي. شارك المخرج الإيراني جعفر بناهي بفيلمه (ثلاثة وجوه) بمهرجان كان السينمائي الأخير ليظفر باحدى جوائزه، وعرض كذلك في مهرجان السليمانية الدولي في النسخة الأخيرة له.. والفيلم يتطرق لمشكلة اجتماعية في إيران كما اعتاد بناهي أن يقدم لجمهوره في أفلامه، وهو من بطولة زوجته بهناز جعفري التي تجسد شخصيتها الحقيقية في الفيلم كممثلة مشهورة، وتتلقى رسالة من شابة يمنعها أهلها من الالتحاق بكلية الفنون في طهران، وتحاول الانتحار فتذهب إلى مكان إقامتها في إحدى القرى برفقة بناهي نفسه.
وبناهي هو أحد أهم الأسماء التي نهضت بمجد السينما الإيرانية في العقود الثلاثة الماضية إضافة إلى كياروستامي ومخملباف وروسولوف وغيرهم.. بدأ مشواره في السينما مساعداً لكياروستامي، لينطلق في ما بعد معتلياً منصات أهم المهرجانات السينمائية، كان، وبرلين، وفينسيا، مع أفلام مثل الدائرة، والبالون الأبيض والمرآة.نعيد ما ذكرناه هنا في مناسبة سابقة من السينما، كانت أحد أهم أدوات التحريض في الانتفاضة التي عمّت إيران قبل عامين ولا يتجسد حضورها في ما صنعت فحسب، بل من خلال مواقف رجالاتها أيضاً.. فمخملباف مثلاً كان صوت هذه الانتفاضة المنطلق من منفاه الباريسي، بينما كان زملاؤه يتوشحون بوشاحها الأخضر وهم يعتلون منصات التتويج في المهرجانات السينمائية.. وبعد عرض فيلمه الرائع (السهول البيضاء) كنّا نقاداً وإعلاميين في مواجهة المخرج محمد رسولوف الذي اكتفى بالرد على آراء الحضور بفيلمه بكلمات قليلة تحمل من الدلالات الكثير عندما قال: اعذروني لأني سأكون بعد ساعات في طهران.. ورسولوف هو الآخر كزميله بناهي تعرض في ما بعد للملاحقة القانونية والإقامة الجبرية.وإذا كانت الأعوام الستة التي سيقضيها بناهي خلف قضبان السجن وقبلها من مزاولة مهنته، ستحد من حركته في صنع الأفلام التي تسعى لكسر التابوهات، وتنتقد (أبلسة البلاد) كما يقول.. فإنها بلا شك لا تستطيع أن تقيد أحلامه ورؤاه في صياغة موضوعات تسترق غداً بلا وصاية وتسلط..وإلا فهل استطاع نظام الجنرالات في اليونان، الذي أحكمت قبضته الحديدية على مقدرات بلد الديمقراطية الأول منتصف الستينيات من القرن المنصرم أن تعتقل أو تأسر في معسكرات النفي مخيلة وحلم شاعر عظيم مثل يانيس ريتسوس الذي قال فيه قرينه الفرنسي الكبير آراغون ((ننحني كي تمر أنت أيها الشاعر))..كان ريتسوس وببساطة يكتب بالسر قصائده على علب السكائر ثم يطمرها داخل قنان زجاجية في الأرض، وهو ينتظر الخلاص، خلاصه وخلاص شعبه من جزمات العسكر.وبالتأكيد فإن إجراءات المنع بمزاولة المهنة أو السجن لم تمنع صاحب (الدائرة) و(الذهب القرمزي) أن يستمر في أحلامه وهو يرنو من خلال قضبان السجن إلى آفاق بلون الحرية.. يتجول فيها بكاميرته لتسجيل لحظات الانعتاق.في رسالته إلى البرينالة والتي قرأتها إيزابيلا روسلليني ، يقول بناهي : "الواقع هو أنني منعت من مزاولة مهنتي كمخرج دون أي محاكمة وذلك منذ خمس سنوات. والآن تمت محاكمتي بشكل رسمي ومنعت للعشرين سنة القادمة من مزاولة هذه المهنة. وعلى الرغم من ذلك سأستمر بخيالي في تحقيق أحلامي وصنع أفلام بهذا الخيال مستوحاة من هذه الأحلام. كصانع أفلام تتناول بالدرجة الأولى قضايا اجتماعية، علي أن أتعامل مع الوضع الجديد، الذي يفرض علي ألا أصور مشاكل وهموم الحياة اليومية لأبناء شعبي. إلا أنني لن أتوقف عن الحلم بأن جميع هذه المشاكل بعد عشرين عاماً ستختفي وأنني سأتمكن عندئذ، من إخراج أفلام عن السلام والرفاه الاجتماعي في بلدي. سينمائيو العالم يستذكرون ويتضامنون مع بناهي في تظاهراتهم في فينيسيا وبرلين ودبي وكان وأخيراً السليمانية.