أربيل/ المدى
تصوير : محمود رؤوف
الوضع الذي يشهده العراق لاسيما على الصعيد السياسي والاجتماعي كان له الكثير من الاهتمام ضمن الأنشطة والفعاليات التي أقامها معرض أربيل الدولي للكتاب في دورته الثالثة عشرة جلسة حوارية حملت عنوان (الفساد بين السلطة والمجتمع ) أدارها الاعلامي ( عماد جاسم ) تحدث فيه رئيس التحرير التنفيذي لجريدة المدى عدنان حسين ورئيس جمعية علم النفس السياسي د. فارس كمال نظمي.
س / هل مشكلة الفساد تتعلق بالسلطة أم المجتمع ؟
ج/ عدنان حسين : إن الاحداث التي شهدتها البصرة مؤخراً هي مقطع زمني قصير من الحالة العراقية وهي لقطة لوجود فساد هائل في الدولة لدرجة أن هناك تسمماً في الماء وإن سبب كل ذلك هو الفساد الاداري والمالي . لافتاً: هناك (27) محطة تحلية مهملة بسبب الفساد كان بأمكانها معالجة كل هذه الأزمة في المدينة ، إضافة الى ملف الكهرباء الذي يعاني الكثير بسبب عمليات الفساد في هذا الملف .
وأضاف: إن الفساد موجود في السلطة وإن السلطة لم تقدم شيئاً في هذا المضمار ، سابقاً كان الفساد يقتصر على الشرطي فقط أما الآن فشبهات الفساد تصل الى منصب رئيس الوزراء . مضيفاً: نحن نمتلك الآن دولة أو شبه دولة فاسدة ومن تسبب في تحوّل العراق الى شبه دولة هو الفساد، إن العراقي اليوم لا يستطيع الحصول على أبسط الخدمات التي من المفترض أن تُقدم له في بلد تجاوزت عائدات نفطه فقط (100) مليار دولار. مؤكداً إن جزءً من هذه العائدات يكفي لأقامة مائة مشروع في الصناعة والزراعة وكافة القطاعات من السهل أن نلمس مخاطر افة الفساد فحتى السلطة ترى ذلك في شعورها بالمحنة ازاء ما حصل لكن المخاطر أكبرعلى المجتمع.
س/ هل الفساد أم المجتمع ؟
ج/ فارس كمال نظمي : إن الاجابة عن ذلك ليس سهلاً ، بشكل عام لو عدنا الى الاحصائيات فمنظمة الشفافية العالمية صنفت العراق في الترتيب ( 168) من أصل (180) جرى شمولهم في دراسة خاصة . مبينا: كما ان نسبة الشفافية (النزاهة) في عمل المؤسسات الحكومية يصل الى (18) % فقط إضافة الى أن معدل عمل الموظف الحكومي لا يتجاوز (20) دقيقة في اليوم في الوقت الذي يفترض أن يعمل لــ (7) ساعات . لافتاً: كل هذا تسبب بخسارة البلاد لأكثر من (400) مليار دولار منذ العام 2003 حتى الآن دون وجود أي جهد انتاجي يذكر .
وشدد نظمي: نحن أمام مشكلة في البنية وليست في الأشخاص فهناك مؤسسات منتجة للفساد فحتى الوزير غير الفاسد لكن وزارته تبقى فاسدة . موضحاً: كما إننا نذهب الى شرعنة الفساد عبر اقرار قوانين تحمي الفاسدين إضافة الى أن العرف الاجتماعي ساعد كثيراً في استشراء الفساد .
س/ ما مدى قناعتكم بآليات متابعة الفساد ؟
ج/ عدنان حسين: لا توجد أي آليات لمواجهة القضية وان كانت هناك آليات فهي معطلة فلا توجد أي إرادة لمحاربة الفساد كون السلطة هي من تقف خلفه في الكثير من المناسبات واشك بأحداث أي تغيير في هذا المجال . مضيفاً: ذات مرة أخبرني رئيس هيئة النزاهة السابق ( حسن الياسري) أن هناك مسؤولاً كبيراً يعطل إحالة الفاسدين الى القضاء ، كما أكد نفس المسؤول إنه لا أحد يريد محاربة الفساد الإداري والمالي في البلاد . مشدداً: في ظل وجود هذه الطبقة لا أحد يريد محاربة الفساد وإن الطبقة السياسية لا تريد حكومة وطنية نزيهة تفتح ملفات الفساد وتفضح الفاسدين وتطيح بعروشهم.
س / هل الفرد العراقي موسوم بالفساد أم أن الظروف جعلته هكذا ؟
ج/ فارس كمال نظمي : هذه الحالة اسميها أنا (الانسان الفاسد رغم نزاهته) فمنذ لحظة غياب الدولة في العام 2003 حيث حدثت نظرية (النوافذ المكسورة) التي أتت بعملية سياسية مبنية على أساس طائفي استلمت الريع النفطي للبلاد وبالتالي اصبحت تلك الجهات قوية ومؤثرة . موضحاً: في مجلس الحكم تم إعادة انتاج الهوية الفرعية الطائفية مما جعل كل جماعة تتمترس على جزء من السلطة وتغض الطرف عن سلوكيات الجماعة الأخرى وهكذا يتم طمر عمليات الفساد بهذه الأطر ، نحن ورثنا فساداً عمودياً كان طاغياً قبل 2003 أما الآن فالفساد عمودي وأفقي.
س / هل هناك عملية انتقام من قبل المواطن بحق مؤسسات الدولة بسبب غياب العدالة ؟
ج / عدنان حسين: نعم هذا ما يحدث فالطبقة السياسية شرعت قانون العفو العام لحماية الفاسدين والارهابيين وهذا يؤثر على وجود العدالة ، مؤكداً: إن هذا القانون تسبب بأطلاق سراح محافظين تم محاكمتهما وهما محافظ (صلاح الدين و بابل ) لفسادهما وهما الآن نواب في البرلمان ، عندما يرى المواطن هكذا أمور سيعمل على الانتقام من الدولة بالفساد.
س / هل أن أحزاب السلطة هي من تختار السيناريو ؟ أم ثمة ظروف تجبرها على ما يحصل ؟ وهل الفرد قادر على تجاوز المحنة أم إنه يحتاج الى انقلاب عسكري للتغيير ؟
ج/ فارس كمال نظمي : بعيداً عن نظرية المؤامرة هناك تشابه في سلوكيات أحزاب المعارضة التي تتسلم مقاليد الحكم بعد التغيير لاسيما في البلدان النامية حيث تكون تلك الأحزاب مكانة للفساد تحت ظاهرة ما يعرف (بالترخيص الاخلاقي) للسلوكيات التي تمارسها في هذا الشأن بعد شعورها بالتضحية . مضيفاً: وإن أفراد تلك الاحزاب يتصرفون وفق ما تملي عليهم تلك النظرية التي تبيح لهم المال العام ، هذا الأمر لا ينعكس على أحزاب الاسلام السياسي بل حتى الحزب الشيوعي مشمول بها .
في العراق الوضع متأزم أكثر بسبب تعدد الجهات السياسية المهيمنة، مردفاً: أما بخصوص أن الفرد العراقي مسؤول أو غير مسؤول ؟ هناك وعي سياسي شعبي واضح كما ان هناك ثقافة للمعارضة تتسع ، فنحن أمام خيارين هل نذهب الى الإصلاح ام اننا نعمل على تغيير جذري ، موضحاً: في الإطار العام نحن ذاهبون الى التغيير الذي سيعمل على اقتلاع جذور الفساد ، قضية الفساد هي أكبر من استغلال المنصب بل هي هدم للحضارة والمجمتع.
المداخلات
الصحفي اشتي أحمد / نريد أن نعرف من استاذ عدنان أهمية الصحافة في مكافحة الفساد .
ج / عدنان حسين : إن محاربة الفساد ليس واجب الاعلام والصحافة فحسب بل هي قضية جمعية ، الإعلام في العراق يواجه اشكاليات أمام هذه القضية كون الكثير من المؤسسات الاعلامية هي تابعة لجهات سياسية فاسدة تحاول تلميع صورة تلك الجهات ، مبيناً: في صحيفة المدى قمنا بنشر مجموعة من الوثائق التي أطلقها الراحل أحمد الجلبي والتي تثبت فساد مدراء أحد المصارف ، لكن بعد مدة وجدنا صاحب هذا المصرف قد انتشرت صوره وأصبح مرشحا للبرلمان ومن ثم نائب . موضحاً: لايوجد صحافة مستقلة في البلاد لمواجهة هذه الآفة ، المدى مثل الطيور التي تغرد خارج السرب في هذا المجال.
س/ طلعت اليوناني: هل أن ضعف البرلمان تسبب بتفشي ظاهرة الفساد ؟ وماهي الآلية الأنسب لمواجهة الفساد.
ج/ فارس كمال نظمي : الاستقرار السياسي إحدى الشروط الاساسية لمحاربة الفساد وهذا مالم يحدث في البلاد من 2003 . موضحاً: لا توجد نظرية محددة لمواجهة هذه الظاهرة لكن هناك الكثير من النظريات التي يمكن أن تطبق في العراق لمعالجة الأزمة.