adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
نظرياً، رئيس الوزراء المكلّف عادل عبد المهدي،بخلاف سابقيه حرٌّ في تشكيل حكومته على وفق المبادئ الثلاثة التي أعلنها هو وأكّد أنّه سيلتزم بها: الكفاءة والخبرة والنزاهة، وكذلك على وفق الوعود التي أطلقتها القوى السياسية المتنفّذة بأنّ خيارات عبد المهدي ستكون مقبولة منها مهما كانت.
على أرض الواقع، الأمر ليس كذلك، فهذه القوى السياسية المتنفّذة لم تترك السيد عبد المهدي طليق اليدين في أمر التشكيل الحكومي، وبين هذه القوى تلك التي تتألف منها الكتلتان اللتان شُكّلتا، على نحو غير رسمي، الكتلة البرلمانية الأكبر التي كلّفت عبد المهدي بأمر الحكومة الجديدة، وأعني بهما كتلتي سائرون والفتح.
باختصار شديد، إنّ كل القوى المعنيّة بأمر تشكيل الحكومة مارست التضليل من قبل وتمارسه اليوم أيضاً على صعيد نبذ المحاصصة والسعي لتشكيل حكومة قوية تستطيع إصلاح الأمور والمضي بالعملية السياسية في اتجاه آخر مخالف لاتجاهها على مدى الخمس عشرة سنة الماضية الذي قاد الى الفشل التام والدمار الشامل ويُنذر بمفاقمة الفشل ومضاعفة الدمار.
عبد المهدي هو الآن في وضع لا يُحسَد عليه، فالعراقيون جميعاً يريدون منه أن يجترح معجزات ومآثر لوضع حدّ لمحنتهم المتواصلة التي أنهكتهم تماماً، وهو غير قادر على المشي الآمن في حقل الألغام الذي ألقت به إليه هذه القوى.
إذا ما سجّل عبد المهدي لنفسه أيّ نكوص عمّا وعد به ستهتزّ صورته لدى العراقيين الذين قد ينظرون إليه بوصفه رئيس وزراء "عوازة" (تكملة أو تتمّة)، وبالتالي لن يتأمّلوا خيراً من عهده.
في وضع كهذا ربما كان الأسلوب الأنجع الذي يتعيّن على عبد المهدي اتّباعه هو أن يمضي قُدماً في تشكيل كابينته على وفق ما وعد به، وليس على وفق ما تريده القوى المتنفّذة المتعارضة في إراداتها ومطامحها ومطامعها، وأن يركن الى مجلس النواب والشعب العراقي في حلّ التعارضات في ما بين ما يراه وما تريده القوى المتنفّذة.
أظنّ أنّ أفضل وأجدى ما يمكن أن يفعله عبد المهدي اليوم أو غداً هو أن يطلب من رئاسة مجلس النواب تحديد موعد لتقديم كابينته وأن يتم ذلك في جلسة علنية يتابع العراقيون وقائعها مباشرة، ثمّ يتقدّم بتشكيلته ويضعها برسم البرلمان بعد أن يعرض على المجلس والشعب المصاعب التي واجهها في تشكيل الحكومة، فإنْ قبِلَ المجلس بالتشكيلة كان بها وإلا فإنّ عليه – عبد المهدي - أن يستلّ من جيب جاكيتته رسالة الاعتذار عن عدم المضي في هذه المهمة متعلّلاً بالبيئة السياسية غير الملائمة، بل الفاسدة، المحيطة بالعملية .. بهذا سيرمي رئيس الوزراء المكلّف الكرة في ملعب مجلس النواب وفي ملعب الشعب العراقي الذي سيقدّر له هذا الفعل كلّ التقدير وسيقف الى جانبه في وجه القوى المتنفذة الطامعة في السلطة والنفوذ والمال وغير الآبهة بأحوال الشعب وبمصير البلاد. بخلافه سيبدو عبد المهدي وحكومته للعراق مجرد تفصيل غير مثير للاهتمام يُضاف الى الصورة البائسة المعروضة منذ خمس عشرة سنة.