ترجمة/ المدى
بتاريخ 9 تشرين الاول كتب الشاعر والروائي العراقي ، سنان أنطون ، في تغريدة له على موقع تويتر قال فيها " قتل أولئك الآخرين من المتميزين المختلفين قد أصبح عادة وهواية يمارسها اشخاص للمتعة من الذين ينتمون لمجاميع مسلحة ." تغريدته كانت تشير لتقارير تحدثت عن ذبح مراهق عراقي في أحد شوارع بغداد من قبل مهاجمين اعتقدوا انه ولد شاذ جنسياً . ربما كانت تغريدة الكاتب أنطون تشير الى أي شاب عراقي يريد ان يتحرر من التقاليد الاجتماعية التعسفية التي تتحكم بكلا الجنسين من انهم سيكونون ضحايا انتقامات وحشية.
من أشهر هؤلاء الضحايا هي الشابة العراقية ، تارة فارس . عندما قتلت في شهر أيلول كانت فارس ، التي لها اكثر من 2,8 مليون متابع على موقع انستغرام ، تعتبر سادس أكثر الاشخاص شهرة وشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي العراقية . في الثانية والعشرين من عمرها خلقت لنفسها شهرة واسعة من خلال عرضها لأزياء مثيرة ترتديها برفقة سردها ليومياتها عبر اشرطة فيديو أدت من جانب آخر لإثارة انتقادات من متشددين ضدها . وكانت فارس قد تعرضت لإطلاقات نار من قبل مسلحين بينما كانت تقود سياراتها الخاصة نوع بورش في منطقة كامب سارة ببغداد وأردوها قتيلة.
ولدت فارس في بغداد لعائلة مسيحية اعتنقت الإسلام عندما كان عمرها 6 أعوام . زوّجها أبواها وهي في السادسة عشرة من عمرها لرجل وصفته على انه متشبث بالتقاليد وعدواني . وعندما ضبطه والداها وهو يضربها اقتادوها معهما الى بيتهما من جديد . كان عمرها 19 عاماً وسرعان ما اكتشفت بأنها حامل . قالت فارس انه بعد ان وضعت طفلها أرسل زوجها برجال مسلحين لأخذ ابنهم . بعد تلك الحادثة قالت فارس في مدونتها " كل الرجال يريدون امرأة تخدمهم وتغسل ملابسهم ويكرسنَ أنفسهنّ لهم ولكنهم لا يلقون لمشاعر النساء ولا يعتبروهن بشراً ."
ربما قبل وربما بعد طلاقها بدأت فارس نشاطها كعارضة ازياء . كانت أول مسابقة ملكة جمال في العراق قد حدثت في العام 1947 ، الفائزة كانت بنت يهودية تدعى ، رينيه دنغور . ملكة الجمال اغلقت محلها في العام 1972 رغم ان مسابقات جمال غير رسمية استمرت بصيغ اقل إسرافا ، لحد اعادة استئناف اول مسابقة رسمية لملكة جمال العراق عام 2015 .
في العام 2014 شاركت فارس في مسابقة غير رسمية لملكات الجمال في قاعة نادي الصيد ببغداد حيث كانت المتسابقات الاخريات بملابسهن ومظهرهن الاعتيادي . وبوجهها الطفولي وعيناها الواسعتان فازت بالمسابقة . وفي العام 2015 توجت من قبل نادي الصيد كملكة جمال بغداد .
ضمن هذه المرحلة الزمنية بدأت بعرض صور سيلفي لها على مواقع التواصل الاجتماعي . ثم قالت في ما بعد على يو تيوب " لم أكن أتوقع أبدا بأن هذه الصور ستحقق شهرة عالية . شعرت بأنني قوية من خلال جميع ردود المتابعين من المحبين والكارهين. بدأت أشعر بانني قوية بما فيه الكفاية لأختار أي شيء اريد ، وأن أرتدي ملابس بالطريقة التي اراها صحيحة ، لانها ، قبل كل شيء ، تعبر عن ذوقي وحياتي " . في مستهل عام 2015 غادرت ، فارس ، الى تركيا في قرار اتخذته للبحث عن شهرتها كعارضة ازياء.
أيار عام 2016 كان موعد انطلاق شهرتها على موقع انستغرام للتواصل الاجتماعي . في اول صورة لها على الموقع كانت ترتدي قبعة لعبة بيسبول من علامة ، أديداس ، التجارية وكتبت ضمن تعليق على الصورة شيء عن كابوس عاشته اثناء انفجار سيارة مفخخة . وقالت " رأيت دماء ، ورأيت جثث ... ولكن الشيء الاغرب رأيت جسمي وهو يقذف على الارض ." هذا الموقف الذي خلطت به بين صورة مثيرة لها وموقف رعب حصدت من ورائه 15,091 ألف تعليق إعجاب .
استمرت تعليقات الاعجاب بفارس بالتزايد على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تعرض صور واشرطة فيديو لها ، مرة اثناء قيام مصفف شعر بعمل تسريحة لها بمناسبة عيد الفطر ومرة أخرى اثناء تأديتها لألعاب، فيديو غيم ، مظهرة وشم التاتو على ذراعها ويدها. قامت فارس برحلات عبر المنطقة متنقلة ما بين بيروت والدوحة وعمان بثت خلالها مزيداً من أشرطة فيديو لأزيائها التي ترتديها وعن مغامراتها في تلك البلدان .
رجال ضايقوها على الإنترنت وفي الشارع ايضا . نساء كذلك شجبوها . وخلال برنامج استعراضي عراقي على يو تيوب استفسر منها المضيف حول اشاعات عن قيامها بتصوير لقطات إباحية ولكنها انكرت ذلك ثم سخرت من متهميها . وخلال يوميات لها على شريط فيديو انتقدت خلاله بقوة رجل دين لم تسمه عرض عليها زواج متعة ، وبعد ان رفضت عرضه اعلنت بتعليقات لها قالت فيها : " تارة فارس لها كرامة وشرف اكثر من اعضاء البرلمان والسياسيين العراقيين . تارة لا تهزأ من الناس . تارة لا تتحدث بلغة طائفية . تارة لاتمتص دماء العراقيين ."
اغتيال ملكة جمال بغداد تصدّر عناوين الصحف وانتشر خبر مقتل ، فارس ، في كل انحاء العالم . أثنى عليها البعض في مواقع التواصل الاجتماعي على انها أمرأة حرة والبعض عبر عن مواساته لمقتل شخصية اجتماعية لم تؤذِ أحداً ، ولكن بالنسبة لبعض الاشخاص الآخرين انها تلقت مصيرها بالقتل بسبب تصرفها غير الاخلاقي . قبل أيام قليلة من مقتل فارس قام مسلحون بإطلاق النار على الناشطة في حقوق المرأة ، سعاد العلي ، في البصرة . وفي آب توفيت كل من رفيف الياسري و رشا الحسن في ظروف غامضة في بغداد وكلاهما من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في مجال اختصاص التجميل . قسم من العراقيين يرون هناك صلة بين حوادث القتل هذه وخشية ان تكون مليشيات متطرفة تقدم على قتل كل امرأة تعبر عن رأيها بحرية ولها متابعون كثر .
أحداث القتل هذه بقيت مجهولة لم يتم التوصل الى حلها وما تزال أسئلة تحوم حول حالات الموت الغامضة . استطاعت فارس بتحديها خلال فترة حياتها الوجيزة الاستحواذ على إعجاب الملايين عبر الإنترنت . حتى بعد موتها بقيت تارة فارس أيقونة لايمكن مقاومتها.
عن: نيويورك تايمز