طالب عبد العزيز
تختفين خلف ستارة اللابتوب الزرقاء، أو تخرجين منها الى المكتبة، أو الى الحديقة، تصمتين ساعة، ساعتين، علني أتوهمك منشغلة بالمطبخ، فلا تردين على أسئلتي، تدخلين غرفة، تعيدين ترتيب المفارش على الأسرّة، تفتحين نافذة لا تطل على حديقة، ثم تعودين الى ما كان على المنضدة، هاتفاً ذكياً أو مما يُتحضن من الأجهزة، تُرسلين صوراً فاضحةً، كلاماً على غير عادتك، وتبقين صامتة، علني أقول كلمة، بلى، سأقول، لكنْ، أصدقيني المشاعر، فما أنا ممن تؤانسه امراة خلف ستارة زرقاء، يتوهمها عذراء جميلة، أبداً. أكتبي أسمك صريحاً، قولى إنك، ندى، بشرى، ذكرى ... هكذا، سأتوهمك إذن، وأقترح اسماً ينتهي بألف مقصورة، فلا تستغربي إذا ما ملأتُ واجهتي على الماسنجر أسئلة سخيفة عن حياتك، والبيت حيث كنت تسكنين والمكان الذي رأيتك فيه ذات يوم.
أتعتقدين بأنني لا أرى صورتك، لا أسمع طقطقة أصابعك على الكيبورد، هكذا، وكما لو أنني أتصفح كتاباً، هئنذا أراك تقبلين وتحجمين، تقدّمين كلمة وتؤخرين أخرى، لكنني، سأفترض إنك الآن بكامل ثيابك، كما لو أنك ذاهبة الى مكتبة ما بالعشار، من التي تقع في مواجهة ساحة أم البروم، حيث تزدحم المدينة بمكائن الطبع وآلات التصوير ومكاتب الاستنساخ، جالسة، هادئة على كرسيك الهزاز، تقترحين جملة وتؤخرين أخرى. لا، يا سيدتي، أنا أرى يدك أيضاً، خاتم اصبعك، بشذرته اللاصفة وما يلمع من الذهب، وأنت تعبثين بشعرك الأشقر، الذي لم يكن أشقر خالصاً من قبل، وأنت تهذبين قميصاً أبيض عليك، اسوارة على معصمك، لكم وددت تقبيلها. كتبت لك: ما قاله والت ويتمان لإحداهن:" تعالي وتمددي معي، أنا والت ويتمان، حرٌّ ومتشهٍ كالطبيعة، لن أبرحك حتى تبرحني الشمس".
سأجنح بخيالي بعيداً، وأذهب بعيني الى ما لا حدَّ لها، نظراً وبعداً، فانا أمرؤ أحب أن تطيش ظنوني كثيراً، لأقول لك بأنك، هكذا، وكما لو أنك تهملينها، تركتِ يدك، تهبط الى أمدها الأخير في جيب سروالك، وها، أنت منشغلة بسحابه الطويل، تحاولينه فيستجيب، وتتركينه فيعاودك الحنين، وكنت أفردتُ لروحي مشهداً، هو مما تفتقه العين بقميص مهمل في أزراره، ها أنت تفتحين زراً وتؤخرين آخر، لذا، أرجوك، كوني صادقة معي، فما أنا بالبليد الذي لا يرى أبعد من كلماتك، وإن بدت ساذجة. لا، لست بحاجة الى صورك المتوهمة، التي لا تغني، وأدعيتك التي تقول لي بالتوفيق، معاذ الله، أنا لا أتهمك بشيء، ولا أقول إلا ما تقولينه عني في سرك وبين صويحباتك، نعم، أنا بحاجة الى شيء مما تظهره الكاميرا من صدرك، شيء مما تغفله النافذة لإمراة تجلس وحيدة قرب أصيص زهر، فأنت مع القهوة والغيم الكثيف وفيروز في الصباح أجمل منك هادئة امام صفحة لابتوبك الزرقاء. في المرة الثانية سأقول لك أشياء أجمل أخرى.
لا، لست ممن تؤانسهم الكلمات، حسب، أنا أنتفع بالكلمات قليلاً ، نعم لكنني، ذاهب بكليتي إليك، الى صدرك، أريده مأمناً ومنقذاً من ليل الشتاء الطويل، الى فمك وعنقك وما تحت أبطيك، بل وذاهب الى ما دون ذلك، الى هناك، ايضاً، الى هناك، الى حيث تعشب الأرض بلا رعد وبرق ومطر، أنا الرعد والمطر والبلل الذي تبحثين عنه، لا عليك، أنا صنيعة يباب وقفر.