علي حسين
أكثر من ترليون دولار نُهبت، أُضيفَ إليها عشرات آلاف من القتلى، ناهيك عن مئات الآلاف من المشرّدين في خيام الوطن أو دروب الغربة، وخراب في التعليم والصحة والخدمات وانتشار الجهل والخرافة، ومع هذا تخرج لنا هيئة الإعلام والاتصالات بشكل درامي لتعلن أن لامساس بالرموز الوطنية التي ضحت من أجل عيون هذا الشعب، وهكذا ندخل في سباق محموم نحو "تأديب"هذا الشعب، بترويج أننا في حالة حرب على الإرهاب، وأنّ الجهود يجب أنْ تصب لخدمة"الرموز"،. وتحوّل الجميع، من محمد الحلبوسي مروراً بعباس البياتي، إلى دعاة ومبشرين بالنهضة الاقتصادية والصناعية، التي سيوفرها القانون، ففيها خلاصة الخير لهذا الشعب"السعيد!
بضغطة زر، أصبح معظم الساسة رموزاً وطنية في مواجهة محور الشر الذي يضم شباب التظاهرات، وكل من يطالب بمحاسبة المفسدين، من أجل القضاء على روح الاحتجاج عند المواطن والحفاظ على الحكم الطائفي الانتهازي.
سيقول لك البعض يارجل إنّ حرية التعبير في العراق غير مسبوقة، فيكفي أنك تكتب ما تشاء، ثم تذهب الى بيتك آمناً مطمئناً، هل تريد حرية أكثر من هذه؟ سؤال وجيه ومعقول،قبل أكثر من عامين نزل ربع مليون بريطاني إلى الشوارع، مع أنهم يملكون كل أنواع الحريات، يعترضون على خفض المعونات الاقتصادية. فهم يدركون جيداً أن التقصير في مسألة الضمان الصحي والاجتماعي ظلم للمواطن، ولهذا لا أريد أن أسال ماذا يعني تعبير"الرموز الوطنية"في بلد يعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر، فيما مليارات ثرواتهم ذهبت الى جيوب الفاسدين؟!
لن ينفع العراقي أن نضع له قانوناً لتبجيل السياسي الفاسد وتقديسه، فهذه بديهيات حصلت عليها الشعوب منذ عقود. سوف يكون أنفع للمواطن أن نضع قانون لاتصرف فيه المليارات على تقاعد الرموز، بل من أجل إنقاذ آلاف العوائل الفقيرة من النوم في مساكن الصفيح والعشوائيات.
لا يكفي شعار الرموز من دون شعار الكفاءة. ولا تكفي قوانين قراقوش من دون العدالة الاجتماعية. تعالوا نتعلم من الصين"الكافرة"التي أخبرنا رئيسها أنّ ما يؤرق النظام، أن لا يجد الطفل مدرسة يذهب إليها".
أسوأ ما يحدث للأوطان في تفاقم المِحن أن يبلغ الأمر بالسياسيين الفاشلين منع الناس من الاحتجاج والكتابة.ولكن الأسوأ أن نطلب الحرية من سياسي سارق ونصّاب يحمل صفة"رمز وطني!