adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
الاعتداء السافر الذي وقع على شرطيَّي مرور في ساحة عدن ببغداد منذ يومين لا هو بالعجيب ولا هو بالغريب في عهدنا "الديمقراطي" الحالي، عهد الإسلام السياسي الذي تُداس علناً في ظلّه القوانين والأنظمة والقيم الاجتماعية الإيجابية، بخلاف ما كانت عليه الحال في العهد السابق، عهد الدكتاتورية الغاشمة التي قليلاً ما تجرّأت، مع ذلك، على الإتيان بعمل من النوع الذي ارتكبه مرافقو أحد كبار المسؤولين في العهد الجديد.
كلّ يوم تقريباً يحصل نظير لهذا الاعتداء في منطقة من مناطق العاصمة بغداد أو في مدينة من مدن البلاد الرئيسة، والضحايا متنوعون: رجال شرطة من الصنوف المختلفة ومواطنون عاديون، وبخاصة سائقي السيارات الخاصة أو سيارات الأجرة.
شوارع بغداد والمدن الرئيسة مزدحمة دائماً وبخاصة في ساعات الذروة صباحاً وبعد الظهر. في العادة تنزل مواكب المسؤولين الحكوميين، المدنيين والعسكريين، إلى الشوارع في هذه الأوقات، وهي دائماً في عجلة فائقة من أمرها.. سيارات المواكب المدرّعة والمسلحة تملأ الفضاء زعيقاً.. المسؤولون الذين ترافقهم المواكب يريدون أن تُخلى لهم وحدهم الشوارع والطرقات كما لو أنها ممتلكات شخصية، فإنْ لم ينجحوا في فكّ الزحامات عبروا بمواكبهم إلى الجانب الآخر من الشارع أو الطريق ليسيروا عكس الاتجاه، وويلٌ لمن يعترض أو يحتجّ، وويلٌ لمن يشكو إذا ما تضرّرت سيارته أو تأذّى هو شخصياً من خرق خطير لنظام المرور كهذا.
الفرق في حادث ساحة عدن الذي حصل مع موكب رئيس مجلس محافظة بغداد أنّ بعض الشهود العيان صوّروا بموبايلاتهم وقائع الاعتداء الصارخ على موظفينِ حكوميينِ أثناء قيامهما بالواجب، وبثّوا ما صوّروه عبر منصّات التواصل الاجتماعي فصار الاعتداء قضية رأي عام.
إذا ما قُدّر أن تجري مساءلة لعناصر الموكب ومعاقبتهم عن فعلتهم النكراء، فليس من الصحيح أن يقتصر هذا على العناصر الذين ترجّلوا في ساحة عدن وأشبعوا شرطيَّي المرور الأمينينِ ضرباً مبرحاً وأهانوهما شخصياً وأهانوا وظيفتهما ورتبتهما وعموم الناس الذين كانوا شهوداً على الحادث، فقط لأنهما كانا يُنظّمان حركة المرور في الساحة على وفق نظام المرور الذي وضعته الدولة وألزمت شرطة المرور بتطبيقه والتقيّد به حفاظاً على النظام العام وسلامة مستخدمي الطريق.. المساءلة والعقوبة يتعيّن أن تشملا أيضاً المسؤول الذي كان الموكب في رفقته.. هو أيضاً يتحمّل قسطاً، بل القسط الأكبر، من المسؤولية عمّا حدث.
عندما يُسيء التلميذ التصرّف في مدرسته يطلب معلمه أو مديره حضور ولي أمره ليبلغه بما حصل من أبنه. هذا الإجراء يأتي من منطلق أن ولي أمر التلميذ مسؤول هو أيضاً عن سلوك ابنه، فلو كان قد أحسن تربيته ما كان التلميذ سيتصرف على النحو غير المقبول الذي تطلّب استدعاء ولي أمره الى المدرسة.
المسؤول الحكومي الذي لا يتحرّك إلّا وسط موكب كبير مدرّع ومسلّح هو ولي أمر عناصر موكبه .. لو كان هؤلاء العناصر يُدركون أنّ مسؤولهم لا يقبل بالعدوان على الناس ولا بالتجاوز على النظام العام والقانون ما كانوا سيتصرفون على النحو المشين الذي كان لحمايات رئيس مجلس بغداد مع شرطيّي المرور في ساحة عدن.
وزارة الداخلية التي تتبعها حمايات المسؤولين هي الأخرى يقع عليها قسط من المسؤولية، فهي أيضاً ولي أمر لعناصر حمايات المسؤولين.
لن يكون كافياً أو مُنصفاً معاقبة أفراد الحماية الذين اعتدوا على شرطيّي المرور.. أدنى درجات الانصاف يتطلّب اعتذاراً علنياً من رئيس مجلس بغداد، وإجراءات من وزارة الداخلية تحول دون تكرار هذا الاعتداء السافر.