سلام خياط
نمرق مسرعين أو متمهلين عبر ساحة الحرية ، حيث يشمخ نصب ( الحرية ) للفنان جواد سليم ، دون التوقف — ولو برهة —لقراءة مضمونه ككتاب مفتوح ، كأننا نوثق المقولة :: الإعتياد يقتل الدهشة .
………..
لخص جواد سليم بحثه في الجمال المأمول في جداريته الشامخة : نصب الحرية .ليختزل فيها رموز حضارة وتاريخ شعب بتقنية معاصرة ، وأصالة .. فأول ما يلفت إنتباه العابر المتوجه لساحة التحرير والنازل من منحدر جسر الجمهورية ، لافتة عريضة كتلك التي طالما رفعتها الجماهير في المكان ذاته ، طيلة تظاهرات النضال الوطني ، بعدما حرص المعماري رفعت الجادرجي على تشييد قاعدة النصب على مرتكزين متقابلين ، مرتفعين عن الأرض ، ليظهرا من بعيد كأنهما يدان ترفعان لافتة هي عرض الإفريز الذي ركبت عليه وحدات النصب …
كما إن النصب يشاهد من بعيد . كأنه بيت شعر ، بعدما وظّف ( جواد ) كينونته كنصب يقع في أهم ساحات بغداد ، والتي لها مكانة خاصة في الذاكرة الشعبية ، اذ كانت مركز تجمع الجماهير وإنطلاق تظاهراتها عبر كل العهود وخاصة تلك التظاهرة التي إنطلقت في الأول من ايار ، عيد العمال العالمي — مارس ١٩٦٠—بمليون عامل ، إستمرت كراديسهم تتدفق منذ مطلع الشمس حتى مغيبها ….
لم تهمل الجدارية تلك الحركة الضاجة لقوى الشعب ،، فالحصان الجامح يخرج رأسه من الإفريز ، لتتوالى الأقواس والأهلة وقرص الشمس وشعلة الحرية التي تحملها المرأة المناضلة ،، ثم يرتب ( جواد ) عناصر النصب الأخرى . الفلاح والفلاحة يحملان سنابل القمح والمسحاة والمنجل ثم العامل بوقفته الراسخة بيده المطرقة وبجانبه عجلة الإنتاج ( رمز الصناعة )، ثم المرأة حاضنة طفلها رمز الأمومة ،، والمرأة حاملة شعلة التحريض قرب قضبان السجن ، إذ يستجيب الجندي الذي وضعه (جواد )في مركز الجدارية ليحطم القضبان ..دون ان يدخل النحات أي وجه يرمز للسلطة ورجالاتها .. فتخلص من عبودية تأليه الفرد …………..
لقد مازج (جواد ) بين المعاصرة والتراث ،،، دون أي تطرف أو غلو ،،وبذلك حقق حلمه الذي راوده طويلاً ،، عبر فن جميل ، كما صرح دائماً : الفن الجيد ، خدمة نبيلة ، الفن الجميل يخدم الإنسان .
………## تفاصيل المتن مستقاة من كتاب ( الجمال المأمول ) لمحمد الجزائري.