لطفية الدليمي
لطالما لفت انتباهي انسحار المئات من النساء العربيات والأجنبيات بشخصية أوبرا وينفري واعتبرنها ملهمة لحياتهن الشخصية مأخوذات بأعمالها الخيرية - التي تخفض نسبة الضرائب على ملياراتها - ويعترفن بأنها شكلت نقطة تحول مهمة في حياتهن المدمرة بخاصة الشابات اللائي عانين من تأثيرات الفقر والعنف الجنسي والتمييزوالفشل والمخدرات.
أدركت أوبرا وينفري بحسها الإعلامي وذكائها وقدراتها التسويقية أن بوسعها - عبر برنامجها الشهير- الترويج الناعم لايديولوجيا الرأسمالية النيوليبرالية التي تؤمن بها وتعمل في إطارها كمبشرة بامكانات النيوليبرالية في إيجاد حلول لمعضلات الحياة داخل المجتمع الرأسمالي، وركزت أوبرا عن طريق الكاريزما الأنثوية التي تملكها على جاذبية قصص الأعترافات المثيرة وتفريغ شحنات العار المخزونة داخل النفس البشرية في مجتمع الاغتراب لتحقيق استقطاب غير مسبوق لأعداد هائلة من النساء المحرومات والطامحات للثروة والحالمات بتحقيق مكانة مرموقة في المجتمع، كما قدمت على مدار السنوات الهدايا الثمينة- سيارات - للحصول على نسب عالية من أرباح شركات السيارات، وتبنت قضايا نساء تعرضن للاستغلال الجنسي، ونجحت بأفكارها الجريئة في تجميل الوهم لملايين النساء والرجال والاستحواذ على عقولهم في أنحاء عالمنا المعولم خلال عقدين من الزمن بتقديمها لنسخة (انسانية مموهة وساحرة) لوجه المجتمع الرأسمالي المتغول.
في صحيفة الغارديان البريطانية يناقش مقتطف من كتاب (الأنبياء الجدد للرأسمالية) تأليف نيكول آشوف (ظاهرة أوبرا وينفري) و حقيقة منهج أوبرا الإعلامي والسياسي ويعدها أحد هؤلاء الانبياء العاملين على ترسيخ الوهم وإتباع ستراتيجيات شعبية للتخفيف من شدة الاغتراب الخانقة باعتناق النيولبرالية في المجتمع الرأسمالي مابعد الحداثي ، معتمدة هي وأمثالها على رغبة الناس الجماعية المتجذرة في نفوسهم لاضفاء معنى ما على حياتهم .
ترد في المقتطف المذكور فقرة يحلل فيها الناقد الأدبي والمنظّر السياسي المعروف (فريدريك جيمسون) ظاهرة أوبرا فيقول مامعناه إن طروحات أوبرا وصحبها توهمنا بأننا قادرون على إدارة رغباتنا وحاجاتنا ، فهم يخاطبون الأوهام العميقة لدينا بطروحات خادعة حول كيفية عيش حياتنا بأسلوب الحلم الامريكي ووسائله في طرائق العيش ، ولكنهم لايتطرقون إلى ماينبغي علينا عيشه حقيقة ولايلتفتون الى حياة الجموع المثقلة بالمعضلات المعقدة والمحبطة.
يتحدث كتاب (الأنبياء الجدد للرأسمالية) عن ظهور تيار هائل من معلمي التطوير الذاتي اجتاح المجتمعات الحديثة مترسماً خطى أوبرا وماقدمته في برامجها المثيرة من طروحات وأمثلة وقصص تحول الأنظارعن الهياكل الاقتصادية الضاغطة ، ويوجه هؤلاء المعلمون الرسالة الخادعة ذاتها التي تهمس لك : لديك خيارات عديدة في الحياة ولاشأن للظروف الخارجية في تحديد حياتك وبوسعك أن تفعل ما يجب القيام به بنفسك ، كل شيء يكمن في ذاتك وعقلك ، فكرك هو الذي يحدد مصيرك وسوف تنجح في كسب العمل والثروة وتتجاوز متاعب العيش بمفردك. يردد معظم معلمي التطوير الذاتي مع أنبياء الرأسمالية الجدد مقولات حول إمكانية بلوغ العظمة والشهرة بخدمة ذاتك والآخرين واستخدام قدراتك وحدها وعندها سوف تمسك بسر النجاح وتنال الثروة والمكانة المرموقة ، ويضيفون: (( إن مشكلاتك هي نتاج فكرك ولادخل للنظام السياسي والاقتصادي فيها))!!.
يبرر أنبياء الرأسمالية الجدد وفي مقدمتهم اوبرا وينفري وجود الفقر والعوز والعجز والعنف والقلق والعزلة بدلاً من تحليل ودراسة الأبعاد الاقتصادية والسياسية لهذه المعضلات، ولطالما نصحتنا اوبرا بالنظر الى أعماقنا وإعادة تشكيل أنفسنا لنتكيف مع التحولات الاقتصادية ونتقبل تقلبات اللحظة النيوليبرالية بدل انتقاد الأوضاع وإلقاء اللوم على السياسات والقول بتغول النظام .