اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > منطقة محررة: عشيرة ماكدونالد والمقصلة

منطقة محررة: عشيرة ماكدونالد والمقصلة

نشر في: 13 نوفمبر, 2018: 09:05 م

 نجم والي

عادة لا يفعل المرء ذلك لو كان في مكان مختلف، فمن النادر أن يسمح لنفسه بالوقوف في الطابور لو لم يكن ذلك في ماكدونالد. أنه منظر مثير للانتباه بالفعل رؤية كل هذا العدد من البشر المصطفين في طابور الانتظار، ليس من الغريب أن ترتعش أيدي بعضهم وهم يبلعون ريقهم، وقد سال القليل من اللعاب على شفاههم، وكأن تلك الثواني القليلة الأخرى من الانتظار ستدوم فترة طويلة. يبدو أن أصحاب ماكدونالد يعرفون ذلك، أمر يسمح لهم (علانية أو بغير علانية) بتطوير ستراتيجيات خاصة بهم، تجعل طوابير الانتظار أكثر جاذبية. فكلما زاد وقت الانتظار، كلما ارتفع معدل النهم. وإن لم يكن الأمر غير ذلك فمن الأفضل التساؤل في هذه الحالة: هل يقترب الأمر إذن من الإدمان؟ كل الذين أعرفهم، أقصد أولئك الذين يذهبون إلى ماكدونالد، يطلبون الكثير لكنهم بعد الأكل يشعرون بتأنيب غريب للضمير. خاصة أولئك الذين عندهم القليل من الوعي. هكذا يربطون كل وجبة غذائية من ماكدونالد بشيء أبعد: فمقابل "ماكسي مينو رويال تي أس" تُقطع أشجار غابات الأمازون. بطاطا مقلية بالحجم الكبير، وكوكا كولا بالكوب الكبير، بالإضافة للملح والدهن والسكر تعني بالمقابل: كالورين. كولسترول! سمنة وجلطة قلبية! والأسوأ من ذلك إذا أضاف المرء أجنحة الدجاج، التي أصلها دجاج مصنوع من جينات متلاعب بها. حينها وبصحوة ضمير مؤقتة يبدأ المرء بالتفكير، إذا كان هناك ما يجمعه مع الناس التي تقف في الطابور؟ "سواح، هؤلاء الجهلة"، ذلك هو أكثر الأجوبة راحة للضمير، وخاصة عندما يراهم واقفين معه ببناطيل قصيرة، أغلبهم مربوعي الأجسام. أنه مشهد لا يخلو من الغرائبية بالفعل، خاصة عندما يرى المرء وجبة الهامبورغر وملحقاتها تُلف وعليها سالسا بنية اللون في كيس ورقي صغير كُتب عليه حرف M بصورة كبيرة، يلفها عمال يُفترض بهم أنهم آخر عبيد الرأسمالية المُستغلين بصورة بشعة، المنزوعة عنهم الملكية، والذين يحصلون على أبخس أجر في أوروبا وأميركا. أن كل زيارة لماكدولاند هي عبارة عن رحلة إلى عمق الخلفية المعتمة لبلد الحلم الأميركي. بعد ذلك، عندما يغادر المرء ماكدونالد، ويكون قد علق كل ما يحمله في يده بسائل "الكيتجاب"، تتبع لحظة لا يمكن وصفها لسعادة الروح، عندما يسترخي المرء ويسند ظهره للكرسي، وينفث: "آه يا ربي، لماذا اشتريت كل هذا؟ أي غثيان يحمله المشهد"!
أن صعود نجم البورغر، وصفه أحدهم ذات مرة، بأن له علاقة برمز صعود الولايات المتحدة الأميركية، حيث يتناول المواطن الأميركي بمعدل ثلاث بورغرات في الأسبوع. ثم أن مكدونالد هو رمز للفكرة القائلة بانتصار الطريقة الأميركية عالمياً. "السفينة الذهبية" (شعار ماكدونالد) يلمع الآن في 119 دولة في العالم؛ ماكدونالد هو أكثر الماركات بعد "كوكا كولا" شهرة في العالم.
مع ذلك فبالذات الـ M الذهبي أصبح في وقتنا رمزاً لكل شيء، لكل ما هو رديء في العالم: لاستئصال أشجار الامازون؛ لشركات الاستغلال التي لا تعرف الرحمة؛ لكل إنتاج عالمي ضخم خال من الذوق، وفي النهاية لإبادة الإنسانية عبر الإدمان على افتراس الشحم. قطع من اللحم المفروم، قطع مدورة ومسطحة تفرم منذ سنوات أعلى وأقدم الثقافات في العالم:
في المحصلة، ليس من المبالغة القول، بأن ماكدونالد تحول إلى حقيقة واقعة في حياة ملايين البشر، وبات من الصعب مقاومته. وقد وصل الأمر في النهاية إلى تأسيس مجموعة من الذين تجمعهم المصالح الشخصية ببقاء ماكدونالد لجمعية يُطلق عليها "حراس قبيلة ماكدونالد"، إذ يرى هؤلاء السادة بأن تبني الرمز Mc هو هجوم على الثقافة الإسكوتلندية ويقولون "حتى أزمان قريبة، حيث كان رئيس القبيلة يملك السلطة المطلقة، كانت العقوبة الأخيرة لتلويث اسم القبيلة رمي الشخص للمقصلة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram