إياد الصالحي
لم يزل الزميل الإعلامي الرياضي في إذاعة وتلفزيون الكويت جابر نصار يتبادل معي المعلومات والفيديوهات والصور النادرة عن حقبتي الكرة الكويتية-العراقية السبعينية والثمانينية الخالدة اللتين لن تبرحا ذاكرة الاجيال خاصة ممّن عاصروا نجوماً كباراً صاروا سفراء دائميين بأخلاقهم وفنونهم ومآثر ما قدموه لبلديهما بعفوية أدخلتهم قلوب الناس وقفلت عليهم بمفاتيح الاعتزاز ورُميَتْ في بحار أزمنة الذكريات.
سألتُ "نصار" عن سرّ اختفاء النجم الوديع محبوب جمعة (63عاماً) وعدم ظهوره في الإعلام الكويتي والانشطة الكروية هناك؟ فقال " هكذا هو محبوب –عنودي- مُذ كان نجماً في الملاعب.. يعتذر عن إجراء المقابلة مع كل وسائل الإعلام، لكنه مستمرّ في عمله الرياضي بجد كبير وهدوء يُحسد عليهما".
صراحة أن محبوب ينتمي الى جيل فرسان مونديال إسبانيا عام1982 إلى جانب نعيم سعد ووليد الجاسم وعبدالله معيوف وعبدالله البلوشي وسعد الحوطي وعبد العزيز العنبري وفتحي كميل وفيصل الدخيل وجاسم يعقوب، كوكبة من العمالقة الذين أهدوا الكويت والعرب وآسيا ألمع الكؤوس عبر أداء حماسي مُذهل لم ينتابهم اليأس حتى في أوج هزائمهم ،وملعب الشعب شاهد على تأخرهم بهدفين أمام منتخبنا فقلبوا النتيجة (3-2) وطاروا بتذكرة أولمبياد موسكو 1980.
ترى كم نجماً غاب بمحض إرادته أو غيّبه الإعلام بتواطئه مع عزلته "بلا قصد" ولم يُخرجه منها، ولا نعني هنا محبوب، بل عشرات النجوم العرب الذين طمرتهم سيول النسيان طوال العقود الماضية ولم ترفّ لغيابهم جفون إعلاميي المرحلة المضطربة تحت سطوة تكنولوجيا الإعلام واحتكار القنوات والفوضى العارمة بلا ضوابط في مواقع السوشيال ميديا التي غَدَا بعض اصحابها يديرون مؤسسة إعلامية كاملة وراء الكيبورد!
ولهذا لا نجد عيباً في الانتقاد اللاذع الذي وجّهه المعلق المصري القدير أحمد الطيب في معقل الكرة ببغداد وهو يوجّه تهمة التقصير لرجال إعلام العراق في عدم تسويق لاعبي المنتخب الوطني بالصورة المُثلى لدول الخليج تحديداً، فالطيب قرأ باستفاضة دور منطقة الخليج ومؤسساتها في دفع نجوم الكرة العراقية للشهرة وهي حقيقة لا تقبل الطعن، فالصحف والمجلات والقنوات الرياضية للفترة من ( 1982-1988) كانت تزدهر بأخبار عدنان درجال وحسين سعيد ورعد حمودي والأندية العراقية وكل الرياضات ليكون الدعم صنو ما يلقونه من اهتمام على وفق إمكانات إعلاميينا في تلك الفترة فضلاً عن الدور المهم الذي لعبه الرائد الإعلامي مؤيد البدري الذي يواصل التعافي في العاصمة البريطانية لندن، حيث استثمر برنامجه (الرياضة في الاسبوع) لتسليط الضوء على فرسان الإنجاز في جميع ضروب الرياضة لخلق علاقة وطيدة بينهم وبين الجمهور، وعالجت أغلب حلقاته مشكلات وأزمات بلغة بسيطة تحرص على تذليل المعوّقات وتؤطرها ابتسامة عريضة تنشّف نَدِي خجل الضيف وتُفرح قلبه بسرعة.
برنامج واحد كان يسترعي انتباه ملايين العراقيين لمحتوى الحلقة الخالي من أية شائبة تثير ازدراء الجماهير قبل الرياضيين، فما بالنا ومنذ عام 2003 تزدحم القنوات الفضائية العراقية بعشرات البرامج الرياضية الممنهجة وفقاً لتوجيهات مالكي مؤسساتها، لم يستطع أي من تلك البرامج أن ينفرد بأجندة يُعبّئ لها جهود فريق العمل لدعم النجوم ورياضاتهم وتعريف الجمهور بالواعدين لضخ معنويات أكبر في نفوسهم، والاحتفاء الحقيقي مثلما كان يجري بفرسان الإنجاز سواء في كرة القدم أم الأثقال أم ألعاب القوى أم الملاكمة وغيرها.
قمّة الاستخفاف بالمهنة أن يتحوّل مقدم برنامج ( لا نعني اسماً ما بقدر التنبيه) الى محقّق ومُصلح يزعق أغلب دقائق حلقته ويُعنّف الوزير ورئيس الأولمبية وبقية الاتحادات لاستظهار جرأته خارج أصول المهنة بكل ما تعنيه من تمسّك بمحدودية واجبه وعدم الانفلات والتذلّل لقريب والتخاذل في إنصاف بعيد، إنه السقوط بعينه ولا تنفع الاسلحة "الالكترونية" المدافعة عنه والمباركة لرعونته وهزالة موقفه ووضاعة مجاملته للضيف وتقافزه من معارض الى مؤيد وبالعكس بحسب أهواء مصلحته مثلما يوثق اليوتيوب سلوكه المتقلّب، لن تستطيع تبرئته من مسؤولية جرّ الإعلام من حيّ البدري إلى أزقة موبوءة بالشبهات!