علي حسين
رحل عريان السيد خلف ليسدل الستار على مرحلة مضيئة من تاريخ القصيدة الشعبية.بدأ الفتى القادم من قرية على ضفاف نهر الغرّاف يكتب للحبّ والأمل ينتظر البشارة بوطن معافى :"أدك روحي.. نذر للجايب ابشاره"، ويطرح الأسئلة عن أحوال الناس والوطن :"متى الوكت الترده، ايبدل اطواره..ومتى العايش غريب، ايأمّن ابداره"، وانتهى بعذابات المرض والخوف على بلاد تنظر الفرج الذي تأخر موعده، من أجل أن يجلس فالح الفياض على كرسي الوزارة. لن يكتب أحد من بعده لدروب الحبّ التي تشابكت مع دروب السياسة.
ومثلما نتأمل في مرارات سيّد القصيدة الشعبية مظفر النواب، نتذكر تلك الجواهر من القصائد التي زيّن بها عريان السيد خلف حياتنا اليومية، نتذكر ذلك الفتى الذي حطّ الرحال من الناصرية قاصداً بيت الحزب الشيوعي في بغداد، الشاب الذي جاء يحمل هموم أهله، يكتب القصيدة ليصوغ منها صورة لوطن جديد، رافضاً الخنوع، فهو مثل حزبه :"نخلة البرحي الرفضت تطيح..اتطول شما تكص بيهَ المناشير".
عريان كان مغرماً بما يكتب، يعتقد أنّ القصيدة والأغنية ستصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمناً لا تقيّد حركته خُطب وشعارات"ايمانية"زائفة، ولا يحرس استقراره ساسة يتربصون به كل ليلة، ديمقراطية، تنحاز للمواطن لا للطائفة، وتنحاز للبلاد لا للعشيرة، عاش عريان السيد خلف أسير أحلامه ببلد أهله سعداء، لينتهي على سرير المستشفى يئنّ على بلاد تتلاعب فيها تغريدات أحمد الجبوري"أبو مازن"الذي قرر في لحظة أن"يهجم البرلمان"لأنّ وزارة الدفاع خرجت من بيت الكربولي.
عرف عريان السيد خلف تقنيّات كتابة القصيدة العامية من خلال تجواله في شوارع الناصرية وبغداد والبصرة والموصل وأربيل، اختار حياته على طريقة الشعر، موزاييك من حكمة العراقيين وولعهم بالعشق ومعاناتهم من الألم وخوفهم من المجهول،، يكتب عن جيفارا وهوشي منه، مثلما يتغزل بالمرأة، يبحر وراء الشعر القريب من هموم الناس،. كأنه يغنّي لجميع العراقيين. لم يكتب شعارات باردة جوفاء بل استطاع أن يغوص في أعماق الإنسان العراقي المتطلع إلى عالم أفضل، ليستخرج منها بكلمات بسيطة وعميقة، أجمل ما فيها من قصائد راح ينثر بها الدعوة إلى الحبّ ورفض الظلم، وكان مثل كل العراقيين يدرك ان الساسة سرقوا حلمه بوطن حر، لكنه لن ينسى :"شما يطول الجرح بينا يطيب بس ما يمنحي"