TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: متى سنشهد (أراب آيدول) في العلوم أو الهندسة ؟

قناديل: متى سنشهد (أراب آيدول) في العلوم أو الهندسة ؟

نشر في: 15 ديسمبر, 2018: 05:51 م

 لطفية الدليمي

يكاد برنامج المسابقات الغنائي المسمّى ( آراب آيدول ) - وسواه من المسابقات الغنائية - أن يرتقي لمصاف الطقس السنوي الأكثر بذخاً وإنفاقاً للأموال : إعلام على أوسع نطاق ، نجوم قائمون على لجنة الإختيار يتغيرون كلّ موسم بعد مضاعفة أجورهم ، فضائح وتلاسنات كلامية بين النجوم صارت أقرب للهوس الذهاني الذي تطرب له وسائل الميديا الفضائحية. شخصيا لايعنيني هذا البرنامج أو سواه في شيء باستثناء تأثيراته الثقافية ذات المفاعيل السلبية في بيئتنا العربية .
سيقال إنّ هذا البرنامج يماثل برامج غربية ( إلى حدّ التماهي في العنوان والتفاصيل الصغيرة ) ، وهذا صحيح ؛ لكنّ الإعلام الغربي له خصوصيته لوجود وسائل عديدة يمكن من خلالها تصريف قدرات الشباب في كلّ الميادين (وليست الغنائية حصراً) ؛ فهناك المنح الدراسية في الجامعات، والجوائز القطاعية في المجالات المختلفة، وبهذا لن تصبح برامج المسابقات الغنائية التي تكرس التنافس المضني وتركّزالنجومية المجتمعية هي الوحيدة التي تستقطب عقول الشباب واهتماماتهم، ولاننسى أنّ برامج الحماية الإجتماعية في الغرب توفّر شكلاً من الحصانة في أقلّ تقدير تكفي لاعتماد المرء على إمكاناته الطبيعية والصبرعلى تطويرها في مساراتها المتاحة .
أما في بيئتنا العربية فالأمر مختلف تماماً ؛ إذ صار أمر هذه المسابقات أقرب إلى مفاتيح كفيلة بفتح كنوزالحظ التي ستكفل للفائزين نجومية وثروة وشهرة يراق من أجلها الكثير من الكرامة الشخصية وتُكرس بعض مظاهر السخف والتجهيل والاستعراض الفج لمظاهر الثراء واعتبارها امتيازاً شخصياً للفنانات والفنانين.
ترى ماالذي سيشعر به طالب جامعة متفوق في الرياضيات أو الفيزياء أو الهندسة - بكلّ فروعها - من إحباط عندما يرى مثل هذه البرامج التي تُسفح فيها ملايين الدولارات ويجري فيها استعراض جواهر باذخة تتزين بها الفنانات ؟ ؛ سيشعر حتما بالغبن واللاعدالة والإحباط ، هو الذي تخرج وحصل على أعلى التقديرات العلمية ثم فشل في الحصول على وظيفة توفّر له بعض الدخل الذي يحفظ كرامته ويساعده في مواصلة جهده العلمي وتطويره في المستقبل لخدمة بلده.
هناك مسألة أخرى لها أهميتها في هذا الشأن : تركّز برامج المسابقات هذه شعوراً لدى المتلقين ( الشباب بخاصة ) بأنّ الجهد المنظّم والانضباط لن يأتي بنتيجة طيبة يمكن أن توازي ولو في جزء منها ماتفعله تلك المسابقات التي تفتح أبواب القدر أمام الفائز؛ وسيحصل نوعٌ من الانكفاء النفسي يرافقه التعويل على الأمور الغيبية للحصول على الثراء والشهرة بدل الإرتكان إلى الجهد العلمي المنظّم.
نعلم أن الفنون الراقية كالموسيقى والفن التشكيلي والمسرح والسينما تسهم في الإرتقاء بحياة الشعوب وتنمية الذائقة الجمالية للفرد، غير أن هذه المسابقات ومايصاحبها من اللغط الإعلامي والمشاحنات وفجاجة التعامل، تعجزعن أداء هذه المهمة ولاتحقق سوى الترفيه العابر والأرباح المالية الهائلة لشبكات الاتصالات في سلسلة المصالح المتداخلة بين المؤسسات المستفيدة.
لست أدعو لتشكيل ( لوبي ) ضاغط لإلغاء مثل تلك البرامج ؛ فهذا ليس شأني ، وكلّ ما أرجوه هو ضرورة إطلاق برامج موازية تسعى للكشف عن ( آراب أيدول ) في الرياضيات أو الفيزياء أو الهندسة -فوجود برنامج ( نجوم العلوم ) المخصص للابتكارات العلمية - لايكفي لاستيعاب الشباب العربي الطموح - وحتى ذلك الحين سيكون على متابعي هذه البرامج كل عام تجرّع الكثير من النزق وانعدام الكياسة وستحلق جموع جديدة من الشباب في أحلام جنة (آراب آيدول) الخادعة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram