عدوية الهلالي
استغربت عودتها الى وظيفتها السابقة ..كان اسمها قد شطب من سجلات وزارتها نهائيا بعد أن سافرت فجأة من دون تقديم استقالتها رسمياً ..استغربت قريبتي استغرابي وقالت إن كل شيء بثمنه ..ثم علمت منها إنها منحت إحدى موظفات الوزارة مبلغاً من المال لتعيد اسمها الى السجلات بطريقتها الخاصة ..
مؤخراً ، صارت قضية محاربة الفساد والفاسدين الشغل الشاغل لأغلب المسؤولين السياسيين وصرنا نسمع عن ملفات فساد تطال الجميع تقريباً بالرغم من أن القليل منها فقط تمّ فتحها وشملت صغار المسؤولين بينما تمّ (لفلفة) الملفات الخاصة بالرؤوس الكبيرة ما يدل على أن الجميع غارق في وحل الفساد بلا استثناء وان كل مسؤول يمسك بلسان المسؤول الآخر عملا بمبدأ ( طمطملي واطمطملك) فلازال التعيين في دوائر الدولة ومؤسساتها يتم وفق شرطين لاثالث لهما ، أما وساطة مسؤول كبير أو دفع مبلغ كبير لأحد المتنفذين في تلك الدوائر والغريب إن بيع الدرجات الوظيفية لم يعد سراً يخفيه الباحث عن التعيين والساعي الى تعيينه ، فهناك شاب تخرج منذ سنوات من الجامعة وأتم دراسة الماجستير واضطر الى دفع مبلغ ثمانمئة دولار للحصول على وظيفة عادية في دائرة عادية أيضا لكنه فوجئ ببيع وظيفته الى خريج آخر دفع مبلغاً أكبر بكثير ، وهناك طالبة دراسات عليا حازت على شهادة الامتياز في تخصصها ووجدت ترحيباً لدى الجامعة التي ناقشت فيها رسالتها إذ قدمت الجامعة طلباً للوزارة بتعيينها لحاجتهم اليها لها لكنها وحين راجعت وزارة التعليم العالي لتحصل على وظيفتها فوجئت بان هناك من شغل مكانها ولم يحتج الأمر الى شطارة منها لتحزر أن بديلتها من أقارب السادة المسؤولين أو ممن يحملون توصية لاسبيل الى رفضها أو ممن يدفعون مبالغ دسمة مقابل احتكار وظائف ينتظرها مئات الخريجين بلهفة وتمر سنوات وهم يحلمون بها لأنهم الأحوج إليها والأحق بها من معارف وأقارب السادة المسؤولين ..
بعد كل هذا ، لازال البعض يستغرب الدمار الذي بات يعصف بكل مرافق الدولة بينما السبب واضح تماما وهو وضع الاشخاص غير المناسبين في أماكن تحتاج الى كفاءة وخبرة واخلاص في العمل ، فمن عادة البدلاء ان يعملوا للحصول على الراتب ولايهمهم السعي الى تطوير انفسهم ومؤسساتهم او بذل كل طاقاتهم لرفع مستوى عملهم الوظيفي ..بينما يحلم الباحثون عن وظائف ممن لايملكون مالا أو وساطة بوضع ادمغتهم وأيديهم في خدمة بلدهم..
يقول مورفي :" الانظمة الجديدة ينتج منها اخطاء جديدة " ونحن ابتلينا كما يبدو بأنظمة انتجت اخطاءا عظيمة لاسبيل الى اصلاحها اهمها الفساد الذي ينخر جسد الدولة ويحيلها الى هياكل لمؤسسات متهالكة تزيح المخلصين وتستقطب يوما بعد يوم افرادا لايستحقون مناصبهم بينما ينتظرمئات الخريجين ولسنوات ...فرصة عمل !!