ترجمة/ المدى
في الوقت الذي يتعافى فيه العراق بعد حرب طاحنة مع تنظيم داعش وبدء مرحلة إعادة الإعمار فانه يواجه من ناحية ثانية شحة قاسية بالمياه . مناسيب مياه دجلة والفرات قلّت ، وأحد أسباب ذلك يعود لقيام الجارة تركيا ببناء سد على منبع نهر دجلة ساهم في قلة تدفق المياه للعراق . الماء المتبقي اصبح مالحاً جداً لا يساعد على استمرار الحياة. الأهوار المعشبة الخضراء لجنوبي العراق كانت في فترة من الزمن مصدراً حيوياً للحياة والغذاء للعراقيين . ولكن الأهوار تعاني الآن من تدنٍ مقلق لمناسيب المياه فيها ، وهي جزء من أزمة مياه أوسع أثرت على معظم البلاد.
تدني منسوب المياه وارتفاع معدلات الاملاح تسببت بقتل النبات والحياة وكذلك الجاموس الذي يعيش في الماء ويعتمد عليه أبناء الأهوار في معيشتهم وكسب رزقهم .
قليل من الناس من ينظر الى هذه الأهوار بحب وقلق مثلما ينظر إليها ، جاسم الاسدي . لقد كرس حياته للحفاظ عليها .
يقول جاسم " لقد ولدت هنا في وسط الأهوار . وعندما فتحت عيني في ذلك الوقت كنت قد رأيت حديقة لقد كانت جنة عدن بحق . كانت عبارة عن منطقة واسعة مليئة بالمياه والزرع والخضرة وأنواع الطيور والجاموس والأسماك . كان السمك في ذلك الوقت في كل مكان وحول بيوتنا . لكن خلال مواسم وسنوات الجفاف مثل هذا العام والفترة الممتدة من 2009 الى 2015 واجهنا مشكلة شح المياه وكذلك تغير في نوعية المياه حيث أدت نسبة الملوحة العالية الى موت النباتات وتصحر الأرض . كان منسوب نهر الفرات عالياً أما الآن فقد انخفض بمعدل 84 سنتمتراً عن معدله الاعتيادي ."
أهوار العراق تعاني من انخفاض مناسيب المياه بحدود 17 بوصة ، وهي جزء من مشكلة واسعة النطاق تعاني منها كل البلاد . مناسيب مياه دجلة والفرات هبطت كثيراً والمشكلة الأخرى هي أن نسبة الملوحة ازدادت في المياه وبعد أن كانت 200 جزء من المليون أصبحت نسبة الملوحة الآن 1,800 جزء من المليون.
هذا يعني أن المياه المالحة لا تقتل النبات فقط بل تقتل حيوان الجاموس أيضاً الذي يعيش في الهور والذي يعتمد عليه أبناء الأهوار كمصدر رزق لهم ، فهي توفر الجبن والقيمر والحليب وكذلك اللحم ليأكلوا منه . منذ آلاف السنين كان ابناء الأهوار يشربون المياه التي حولهم ، أما الآن فقد اصبحت مالحة وسامة بالنسبة للجاموس حيث تتعرض حيوانات الجاموس للعمى قبل نفوقها .
عباس جواد ، أحد مربي الجاموس في الأهوار ، فقد العام الماضي 15 رأس جاموس بسبب ملوحة المياه . وهو يقوم بنقل كميات مياه نقية من بعض مناطق الأهوار غير المتضررة ويحملها لقطيعه على بعد أميال عبر حاويات مياه يضعها في قاربه .
يقول جواد " اعتادت هذه المنطقة أن تكون خضراء والآن تحولت الى صحراء تقريباً . العام الماضي كان لدينا ماء أما هذا العام نعاني من شُح بالمياه."
قرى بأكملها تم هجرها حيث أصبحت الحياة بالنسبة للمزارعين ومربي المواشي والجاموس لا تطاق.
أحد اسباب مشكلة شح المياه في الأهوار هو سد ، ايلسو ، الضخم الذي تم انشاؤه حديثاً على طول منبع نهر دجلة وهو جزء من مشروع يضم 22 سداً في تركيا . تم تشغيل سد ايلسو صيف هذا العام حيث تسبب بانخفاض تدفق المياه للعراق بشكل مباشر . وإن 70% من مياه نهري العراق تنبع من بلدان مجاورة مثل إيران وتركيا .
وزير الموارد المائية ، حسن الجنابي ، قال إن السدود المبنية على منابع الأنهر في هذه البلدان المجاورة قد جاءت فقط لتضيف عبئاً الى أعباء تغير المناخ التي يعاني منها البلد أصلاً . بالنسبة لنهر الفرات مثلاً فقدنا ما يقارب من 55 الى 60% من حصتنا السنوية لتدفق النهر الى البلاد.
خلال موسم الربيع ، يقول الجنابي ، نحصل على الكميات القصوى من نسبة تدفق النهر للعراق أما خلال موسم الصيف فتكون المعدلات أقل . واعتدنا على ذلك خلال سنوات . أما الآن ومع بناء سدود ضخمة على منابع النهر فسنفقد معدلات التدفق تلك من المياه ولن تصل الى معدلات عالية كالمعتاد خلال الربيع.
في هذه الأثناء غادر كثير من المزارعين قراهم ومزارعهم ، وفي مناطق محافظة نينوى حيث مزارعي محصول الحنطة فهم يكافحون من أجل الحفاظ على محصولهم من الاندثار في أرض يابسة.
المزارع ، سامي ياسين ، يقول إنه زرع 175 فداناً ، أما هذا العام فانه لم يستطع فعل ذلك وزرع 125 فدان فقط ، مشيراً الى أنه انفق عليها 40 مليون دينار وإن الأمطار سقطت متأخرة وفشل المحصول . وقال إذا استمر الوضع على هذا الحال من نقص المياه فلن نستطيع زراعة المحصول السنة القادمة.
التصحر يتوسع ومع هذا التوسع فان ذلك يعني فقراً وتهجيراً وتغيراً في الأرض لا يمكن إصلاحه . ولا يمكن للمزارع أن يرجع في هذه الحال.
بسبب ذلك تحول العراق من بلد مصدر للمنتجات الغذائية والمحاصيل الزراعية الى بلد يعتمد بشكل متزايد على الاستيراد.
عن: موقع PBS الاميركي