ذاكرة المهرجان
صلاح سرميني
بعد أن تنتهي فعاليات أيّ مهرجان سينمائيّ، يصبح الدليل الرسميّ بمثابة ذاكرة فنية مركزّة، وفي نفس الوقت وثيقةً تاريخية/متحفية، كما تتحوّل نشرته ـ في حال إصدارها ـ إلى دفاتر مذكراتٍ سينمائية مكشوفة، تُوثق يومياته بموضوعيةٍ تختلف عن تلك الشخصية التي لا يكتبها، ولا يقرأها إلاّ صاحبها.
ومع البدء بقراءة الصفحات الأولى من العدد الأول لنشرة الدورة الأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2018، خطرت في بالي بعض التساؤلات، ومنها على سبيل المثال:
ـ هل من الضروري أن تُلخص نشرة المهرجان بعض تفاصيل ليلة الافتتاح، مع إمكانية متابعتها مباشرة من قلب الحدث، أو مشاهدتها على شاشات قنوات التلفزيون، وأكثر من ذلك، سوف تكون المادة المُفضلة لوسائل الإعلام المختلفة، وهل تلخيص حفل الافتتاح من مهمات النشرة، أم الصحافة بكافة أشكالها؟
ومن هنا انطلقت تساؤلاتي حول شكل، ومحتوى نشرة المهرجان، أيّ مهرجان، ومن الأهمية أن ندرك بأنها ليست مثل أيّ وسيلة إعلامية أخرى، هي، بالأحرى، واجهة شفافة للتعرّف عن بعدٍ على بعض فعاليات المهرجان القابعة في الخلفية، أو الهامشية، أو حتى تلك التي تحتاج إلى إضاءةٍ زائدة، وهكذا، من المفيد أن نجد فيها ما هو مختلف عن المادة الصحفية المُتوفرة بغزارةٍ في الوسائل الإعلامية.
من جهةٍ أخرى، هل يحتاج المتابع، ضيفاً، أو متفرجاً من الجمهور إلى قراءة برنامج اليوم في النشرة (ولا أعرف إن كانت امتاحة للجمهور)؟
في حالة الإجابة بنعم، ما هو إذاً دور البرنامج الورقيّ المُنفصل، والمفترض أن يكون في حوزة المتابع طوال أيام المهرجان، أليس من الأفضل استغلال الصفحات/المساحات المخصصة له في النشرة من أجل نشر مادة إعلامية، أو نقدية جديدة ؟.
وبشكلٍ عامّ، ومبدئيّ، أميل إلى أن تهتم النشرة بتوثيق أحداث المهرجان أكثر من قراءة تحليلاتٍ هي في معظمها أقرب إلى ملخصات الأفلام، يكتبها عادةً صحفيون، ونقاد من العاملين في المهرجان نفسه، والسبب في ميولي، أنّ الضيف لا يمتلك الوقت، والجهد الكافيين لمتابعة كلّ الفعاليات، والأنشطة، ومن هنا يأتي دور النشرة كي تلخص له ما فاته، وأضيف، بأنه من الأفضل أن تكتمل مهام النشرة بإصدار كتاب عن كلّ دورة، نجد فيه توثيقاً للندوات، والمؤتمرات، واللقاءات، بالإضافة إلى تسجيلاتٍ فيديوية تُبث فورياً، أو لاحقاً عن طريق منصة المهرجان الإلكترونية كي يتسنى لمن يرغب مشاهدتها لاحقاً، وهذا ما تفعله علي سبيل المثال مؤسّسات سينمائية فرنسية كبرى مثل : السينماتك الفرنسية، مُلتقى الصور، مركز جورج بومبيدو،..
ومع ذلك، هذا الميل الشخصي نحو اهتمام النشرة بالأحداث اليومية أكثر من القراءة عن الأفلام، هشّ، وقابل للكسر، ويمكن أن يتغير وُفقاً لطبيعة كلّ مهرجان.
يجب الاعتراف، بأنه يوجد اختياراتٍ كثيرة تتعلق بالمنهج التحريري للنشرة، تختلف من مهرجان لآخر وُفق حجمه، وأهميته، وجمهوره، وميزانيته.
في الحقيقة، أجد نفسي متردداً في اختيار الأفضل، والأنسب، مع أنني أعلم مسبقاً بأنّ هذا الموضوع يحتمل وجهات نظر مختلفة، متوافقة، أو متعارضة.
ـ هل من المفترض أن تكتفي النشرة بنشر قراءاتٍ عن (بعض) الأفلام من الأقسام المختلفة للمهرجان، وتلخيص مجريات (بعض) الأنشطة الجانبية، علماً بأنني أدرك تماماً بأنّ صفحات النشرة لا تستوعب الحديث عن كلّ الأفلام، وكلّ الأنشطة، وفي هذه الحالة يأتي دور الكتاب الجماعي.
ـ هل من الأفضل أن يقتصر دور النشرة على الجانب الإعلامي للأنشطة الجانبية التي لا يتمكن الضيف من متابعتها كلها؟
ـ هل نشرة المهرجان موجهة للضيوف المحترفين فقط، أم لجمهور المهرجان بشكلٍ عام؟
ـ هل مهمة النشرة الحديث عن الأفلام بإسهابٍ، وإدراج حواراتٍ مطوّلة مع بعض ضيوفف المهرجان كما وجدناه في مهرجان دمشق السينمائي المتوقف حالياً؟
التساؤلات كثيرة، وهي بعدد مهرجانات العالم التي تهتمّ بإصدار نشرة يومية، ومع اانعدام الإجابات الفورية، والمُحددة، والأخذ بعين الاعتبار حرية كلّ مهرجان في اختيار شكل، ومحتوى نشرته، إلاّ أن دورنا النقدي/التحليلي/الرصدي/التاريخي يمنحنا حرية الكتابة، وطرح التساؤلات، وتقديم الاقتراحات، وخاصةً عندما نتحدث عن مهرجانٍ دوليّ يخصّنا مثل القاهرة (أو أيّ مهرجان عربي آخر)، والحثّ على تحقيقها كلّها مرةً واحدة، أو معظمها في سلسلةٍ متتالية من الوثائق المكتوبة، والفيديوية :
ـ أن تقتصر النشرة على الجانب الإعلامي فقط، وتركز على الأنشطة التي لا تهتم بها وسائل الإعلام مثل الندوات، واللقاءات، والحوارات، ...
ـ الكتابة عن كلّ الأفلام بدون استثناء، وجمعها في كتابٍ يُوزع خلال أيام المهرجان، ويمكن أن يتحقق ذلك بمشاهداتٍ مُسبقة من طرف عدد من النقاد الذين يشاركون في عملية الاختيار.
ـ تسجيل كامل لكلّ الندوات، واللقاءات، والحوارات، وجمعها في كتابٍ يُوزع لاحقاً في المناسبات السينمائية المختلفة، وخلال الدورة اللاحقة للمهرجان.
ـ تسجيلات فيديوية لكل الندوات، واللقاءات، والحوارات، وبثها مباشرة، أو لاحقاً عن طريق منصة المهرجان الإلكترونية.