علاء المفرجي
- 4 -
الإشارة التي ترد في هذا العمود الى بعض الممثلين الذين أكدوا حضوراً ملفتاً في الأعمال الدرامية العراقية، تأتي في إطارالاهتمام بهذه الطاقات والتي بدورها تعد إسهاماً مهماً في النهوض بالدراما العراقية، وهنا أشير للدراما التلفزيونية والسينمائية.
وكنت قد أشرت في (كلاكيت) سابق الى الممثل أحمد شرجي، والذي وقفت عند الكثير من أعماله السينمائية والتلفزيونية.. وهو طاقة أدائية عالية، فيما لوعرف المخرجون استغلالها بما يلائم الامكانات التي يختزنها.
فشرجي الذي سنحت له فرصة الدراسة الاكاديمية، و ممارسة التمثيل في الخارج، مع فرق محترفة وممثلين بمستوى عالٍ، وطروحاته الاكاديمية عن سييولوجيا الممثل، صار يعرف كيف يستخدم أدواته كممثل.. حتى إذا عاد لبلده وهي فرصته في التالق وممارسة مهنته بما يحقق له انتشاراً شعبياً كبيراً، وجد الدراما العراقية قد عانت في السنوات الأخيرة من التوقف القسري، ومنها ضعف الامكانات المادية لصناعة الدراما، وبالتالي انحسار الخيارات بل وانعدامها أحياناً، أما الممثل لإثبات ذاته.
وما يختلف أحمد شرجي في الأدوار التي لعبها سواء في التلفزيون أو السينما، عن أبناء جيله إنه يفهم الاداء كفن، وهو أول ما تقتحمه عين المشاهد، قبل أن تستكشف براعة الإخراج وإتقان الحوار، وجودة المونتاج وباقي تفاصيل وأركان العمل.
وأهم ميزة باداء هذا الممثل هو التطابق أو التماثل أو بمعنى آخر التشابه، وهو بالنسبة للانسان العادي يتم بالخيال فقط، لكنه للممثل يعني التوحد الفعلي مع الشخصية، فالممثل يعطي الشخصية جسمه ونبرة صوته، وكل انفعالاته، فيتوحد مع الشخصية المراد تجسيدها على مستويي الوعي واللاوعي، وبرأيي المتواضع أن ذلك ما تتحدد به موهبة ومهارة الفنان. وهو ما لمسناه في ادائه في فيلم (صمت الراعي) فالشخصية التي أداها شرجي في الفيلم لاتحمل قدراً كبيراً من التعقيد وهي بذلك تكون صعبة على التماثل أو على قدرة الممثل الموهوب في تجسيدها، لكن شرجي خلق منها شخصية فاعلة ومؤثرة في مجرى الأحداث من خلال براعته في تجسيدها، وهذا يؤكد بالضبط إن الثقافة وخبرة الحياة والفن وكذلك الذوق الفني، تجعل الممثل يخلق مرجعاً عاماً للتماثل.. فكان أداؤه في هذا الفيلم مختلفاً ولافتاً لنظر المشاهد.
ومثال آخر على هذه الميزة المهمة في أداء أحمد شرجي تتعلق في أدائه دور الشرير في إحدى المسلسلات، فنحن نعرف إن طبيعة الإنسان في إنه لايحب أن يرى نفسه شريراً، حتى وإن كان كذلك بالفعل، لكن البطل يتحول الى ضحية بسبب الظروف الاجتماعية أو بسبب وجود من أجبره على ذلك.. أحمد استبطن صفات الإنسان الشرير مستفيداً - كما قلت- من ثقافته وخبرته في الحياة، فتماثل مع شخصية الشرير في الوعي واللاوعي، وشخصية الشرير او (الشقي) بالمناسبة هي نموذج شائع لانجد صعوبة في العثور عليه لكن الصعوبة في تجسيد صفاته، وتقديمه الى المتلقي بإقناع.
ولعل قدرة احمد على التماثل تبدو مهمة صعبة فرغم انه لايملك الصفات التقليدية الممثل السينمائي، حيث يتمتع بخواص فيزيائية لاتشي به كممثل نجم مثلا، وهو تحد اخر لطبيعة ادائه، الذي سينطوي على صفات اخرى له ليس اقلها التماثل.
ووجود مثل هذه المواهب يتطلب مخرج درامي في (السينما والتلفزيون) قادر على استشعار مكامن القوة في الاداء لدى الممثل، ليسند اليه الدور المناسب، وهو ما فعله المصري الراحل ابراهيم عبد الجليل في الذئب والنسر وعيون المدينة.