TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > البرج العاجي: "فْريدا كول": استعادة حياة

البرج العاجي: "فْريدا كول": استعادة حياة

نشر في: 6 يناير, 2019: 06:31 م

 فوزي كريم

إن من يعرف المكسيكسة فْريدا كالو (1907 ـــ 1954) كفنانة تشكيلية، عليه أن لا يغفل ذلك وهو يزور معرضها الذي يقيمه (متحف ﭭيكتوريا و ألبيرت)، فهو معرض مُكرس لحياتها القصيرة الغنية بالمسرات والتراجيديا، عبر صورها الفوتوغرافية وأزياء لباسها الملونة ومخلفات ساقها الاصطناعية وأحذيتها. حين زرت المعرض قبل يومين لم أخلُ من صدمة المفاجأة، لأني لم أقرأ عنه قبل زيارته، بالرغم من تساؤلي حول مسعى المتحف، المعني بالتراث الانساني في حقل النحت والأزياء والديكور، لتقديم استعادة لفنان تشكيلي، الأمر الذي خُصّت به متاحف الفن من أمثال "ناشيونال ﮔاليري"، "ﭘورتريت ﮔاليري"، و "التيْت" بفرعيه.
المعرض خُص، إذن، بحياة الفنانة لا فنها. مع أن فنها ينعم بالظلال على امتداد المعرض. فهي منذ صباها المبكر تميل إلى التشكيل (هل بسبب شلل الأطفال التي كانت تعاني منه؟)، وبالرغم من أن دراستها بدأت بتوجه علمي إلا أنها بعد حادث اصطدام مروري أقعدها عن الحركة، وهي في الثامنة عشرة، قادتها مرحلة الاستشفاء إلى الفن بصورة مُكرسة وجدية. لم توفق عاطفياً مع الفنان الشيوعي "دييـﮔو ريـﭭيرا"، بالرغم من زاجهما، بعد أن انتسبت هي إلى الحزب الشيوعي عام 1927. مع أننا على علم بخيانات "ريـﭭيرا"، وعدم التقصير من جانبها (من مشاهير عشاقها الثوري الروسي "تروتسكي"). ولعل من كلماتها المؤثرة قولها "إن أكثر أمرين عانت منهما في حياتها هما سنوات مرضها الطويلة، وسنوات علاقتها بريـﭭيرا."
يكاد ينفرد عاملان في تحديد توجهها الفني: معاناة الألم الروحي والجسدي، والسعي الذي لا يكل إلى الكشف عن أسرار الذات. كلاهما قاداها إلى النزعة التي شاعت في فن وأدب أمريكا اللاتينية، والتي تُسمى بـ"الواقعية السحرية". انتفعت في هذا التوجه من الموروث الشعبي المكسيكي، ومن النزعة السوريالية الأوربية، حتى أن الفرنسي "أندريه بريتون" أقام لها معرضين في "نيويورك" و"باريس". مع كل هذه الفاعلية ظلت "فْريدا" تحت ظل "ريـﭭيرا"، حتى بعد وفاتها. في سبعينيات القرن الماضي شاءت الأقدار أن تُكتشف من جديد من قبل المعنيين بالفن وبالسياسة، وتُقدم إلى الجمهور لتأخذ نصيبها من الشهرة، حتى فاقت شهرة "ريـﭭيرا" بكثير.
بعد وفاتها عام 1954 أمر "ريـﭭيرا" بالاحتفاظ بكل ممتلكاتها الشخصية في غرفة مغلقة. وبقيت على حالها حتى عام 2004، حين أُطلق سراحها للمعنيين بالفن في المكسيك: الكثير من الفوتوغراف والكثير من الألبسة الشخصية ومعدات الساق المبتورة. وما هذا المعرض إلا احتفاء بهذا الإرث، يتم أول مرة خارج بلدها المكسيك.
ما قرأته من متابعات النقد الصحافي يرى أن المعرض تم على حساب الإرث الفني لـ"فْريدا"، الذي نعرفه. لقد قدمها عبر الفوتوغراف والملابس والساق الاصطناعية. مع أن المعرض لم يُشر إلى إرثها الفني، لا في عنوانه "فْريدا كول: صنع الذات"، ولا في التفاصيل، وإلا لقُدّم في متاحف الفن المعروفة كما أشرت. كما أن المعرض لم يسعَ إلى تقديم حياة "فْريدا" باعتبارها فنَّها البديل والحقيقي. قد نشاهد معرضاً يقدم حياة بيكاسو العاطفية، يعتمد المذكرات والفوتوغراف دون لوحاته، من غير أن نجد تقصيراً في ذلك.
الفوتوغراف الذي يكاد يقتصر على بورتريت لـ"فريدا" يكشف لنا عن جانب من فنها التشكيلي، الذي كان يقتصر هو الآخر على صورتها الشخصية. فالأخير كان يسعى إلى تحريف، وربما تشويه، ملامحها الجميلة التي يعرضها لنا الفوتوغراف. وكأنها بذلك تحاول أن تكشف عن هوية الأنا الداخلية التي تراها حقيقية، لا عن مظهرها الخارجي. ثم أن المخلفات الأكثر إثارة للألم والدهشة في آن نجدها في هذه الاستثارة الفنية التي تُلم بـ"فريدا"، وهي تتعامل مع أجهزة علاجها الطبية، كزوج الأحذية حمراء الجلد للساق الاصطناعي، أو قالبها الجص، أو مشد الخصر، وكأنها تُنكر أن تحول بينها وبين روح الفنان فيها، فترسم عليها باللون والخط هوى السوريالي، وهوى اليساري، وهو العاشق، من مشاهد حلمية، ورموز انتمائها الشيوعي في المنجل والمطرقة، وطفل آمالها الذي أجهضته، داخل دائرة متاخمة لمشد الخصر.
المعرض ممتع ونافع في هذين الجانبين: الفن وسيرة الحياة، وليس مجرد "معرض آثار" كما وصفه أحد النقاد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram