طالب عبد العزيز
أنا عضو في مجموعة بصرية، نشترك ومنذ سنة تقريباً، في حوار على الواتس اب، نتحدث فيه عن مشاكل البصرة. المجموعة تضم شخصيات كبيرة، وفاعلة في الحكومة، وفي البرلمان، بيننا الوزير السابق والموظف الكبير في الحكومة المحلية، والبرلماني والطبيب وعالم الفيزياء واخصائي البيئة ورجل الاقتصاد والصحفي والاديب ... الخ. وقد خلصت المجموعة الى نتائج بالغة الأهمية، في فهم ما تعاني منه البصرة. هناك مراكز قوى سياسية واقتصادية ومالية، في بغداد والنجف واربيل، غير معنية بما يحدث للمدينة، وبدا لنا جلياً أن قضية الماء المالح قضية بصرية بالكامل وحكومة بغداد مشغولة بما عندها وحكومة البصرة ترقد في ضريح تنافرها، ميتةً.
ولكي نجمل القضية هذه(الماء المالح) بعد أن سحبت العتبة الحسينية يدها، ولم يبق الا نفر قليل من الحشد الشعبي، يقودهم النائب عدي عواد، يعملون هنا وهناك في إصلاح ومد انابيب وأعمال حفر بسيطة، دون مستوى الطموح، كما هو واضح، نجد أن حكومة البصرة المحلية أيضاً ما زالت تشخر، نائمة، ترزح تحت نير أزمتها السياسية المزمنة، فلا مستشارون وصلوا ولا شركات أجنبية دخلت، ولا خطط وضعت، ومثل هذه وتلك، ما زالت حكومة بغداد صامتة والبرلمان خارج الاهتمام والمواطنون في يأس تام من وصول الماء الحلو.
كانت السماء رحيمة بنا في السنة هذه، فرفدتنا بالمطر الغزير، وحصل اندفاع طفيف في لسان الملح، باتجاه البحر، بالتزامن مع إرجاء الاتراك ملء سد اليسو، بسبب أعمال ومشاريع آثارية، بحسب معلومات أخيرة، لكننا، على موعد مع الصيف القادم، بكل تأكيد، وإذا لم تقم الحكومة السد المانع أو أاي مشروع اروائي من شأنه الوقوف بوجه لسان الملح، الذي إن إندفع، فسوف يأتي على ما لم يأت عليه في الأعوام الماضية، وستتجدد أعمال العنف، وتحرق المباني الحكومية، وقد تمتد شرارة التظاهرات الى مدن أخرى، ساعتئذ، ستكون الحكومة قد جنت ثمار ما جلبته على نفسها من ويلات.
ولأن قضية البصرة أكبر من أي قضية عراقية، فقد وجدتُ أن مجموعتنا على الواتس آب، تشبه الى حد كبير صورة الحكومة العراقية برمتها، فقد طرحت العشرات من المشاريع، واقترح أكثر من خبير طرائق وحلولاً، لكن، كانت كلها تصطدم بآراء المشاركين الآخرين، فهذا مع فكرة السد، وذاك بالضد منها تماما، وكل له حجته، ونفر يقول بوجوب استقدام الشركات المختصة، وآخر يتحدث عن اشراك ايران في السد، ولم يتفق الى اللحظة هذه على موقع بعينه لاقامة السد، ويذهب البعض الى تحويل شط العرب الى قناة ملحية، فيما يذهب غيره الى إعادة الشط والأراضي الزراعية، التي عليه الى عهدها الأول، غير مبال بالمتغير الذي أحدثته السدود، فيما لعبت الحكومة المحلية الدور القذر بالسماح لملاك البساتين ببيع بساتينهم، التي على ضفتي الشط وهكذا، الكل يبحث والكل يعترض والكل ينتظر الكارثة.
في النهاية، الكل مشارك في خراب البصرة. الحكومة الفدرالية والحكومة المحلية فيما الضحية هي المدينة، تعطلت الملاحة وخرج ميناء المعقل من الخدمة، وانتهت المدينة من كونها زراعية، إهمال في المفاصل كلها، والفساد ورجاله محروسون بقوانين وتوافقات الأحزاب. ربما يكون الشهران القادمان( شباط وآذار) آخر عهد لسكان المدينة بالماء (المج) قليل الملوحة، لأنا، وحتى اللحظة هذه لم نر مشروعاً للتحلية، ولا مشروعاً للتصفية، وكل شيء على حالة، منذ تموز الماضي، وحتى تموز القادم ستكون النار قد التهمت المبنى الجديد الذي تتخذه الحكومة المحلية مرقداً وضريحاً لقراراتها.