علاء المفرجي
الجميع يعرف فيلم العرّاب وقد انبهروا بعظمة هذا الفيلم الذي صدر عام 1972 وهو من إخراج “فرانسيس فورد كوبولا” واشترك فيه نخبة من النجوم (آل باتشينو ،مارلون براندو ،جيمس كان ،روبرت دوفال،ديانا كيتون، روبرت دينيرو) وآخرون. الفيلم الذي نال اهتماماً نقدياً وجماهيرياً بشكل لم ينله أي فيلم منذ بداية السينما على الاطلاق.. وتم ترشيح الفيلم لـ 11 جائزة أوسكار، فاز بثلاث منها، وحقق بميزانيته الصغيرة نسبياً ( 6 ملايين دولار) أكثر من 245 مليوناً.. ومع مرور الزمن أصبح عالقاً في ذاكرة عشاق السينما ومهتميها، أكثر من أي فيلم آخر، حتى أصبحت أكثر تفاصيله أيقونات خالدة لعشاق الفن السابع، فتتم الإشارة الى ممثليه بوصفهم قدموا الأداء الأفضل ، بل منهم من بدأت شهرته فيه، وموسيقاه التي وضعها الملحن الايطالي نينو روتا أصبحت لازمة ثابتة، وحتى تصميم ملصقه الذكي حيث تبدو يد تُحرك أحرف (the Godfather) على طريقة ألعاب الدمى في إشارة واضحة وذكية للدور الذي تلعبه المافيا وعرّابها. وقد كتب عن الفيلم، أكثر من أي فيلم آخر، بل صيغت حكايات وأقاويل عن صناعته بين الحقيقة والغرابة.
المترجم جلال نعيم اختصر الطريق ليعرض في كتابه (العرّاب.. تراجيديا ملهمة) الصادر عن نابو، كواليس فيلم العراب، كقصة مؤثرة.. قصة الأفراد الذين اشتركوا في صناعة هذه التجربة الكبيرة. قصة عرضها وشارك فيها الكاتب والمترجم وسُطِرت بأقلام صانعيها: مؤلف الرواية، المشارك في كتابة السيناريو، والمخرج والمنتج، والتفاصيل التي ألهمت هؤلاء في صناعة هذه التجربة ، والمشاكل والعقبات التي اعترضتها. مقدماً صورة متكاملة عن الفيلم وظروف إنتاجه، وأبطاله، والأحداث التي مرّت بالفيلم وصناعه.
وأصبحت بشموليتها وأبعادها التاريخية وتوافرها على عناصر السرد، قصة مستقلة جديرة بأن تروى ويطلع عليها عشاق السينما والمشتغلون فيها.
وهذا الفيلم ينطوي على أكثر من مفارقة أو مشكلة بمعنى آخر، كان يمكن أن تؤدي بهذا المشروع الى العدم.. منها أن بوزو شرع بكتابة روايته وحصل على عقد مع دار بانتوم لنشرها بالغلاف المتين، وهي لم تكتمل بعد، وهي الفترة نفسها التي اشترت منها (بارامونت) 114 صفحة فقط، كل ذلك قبل نزول الرواية الى الأسواق بعامين.. وشركة بارامونت، كانت تعيش - لحظة شرائها حقوق جزء من رواية بوزو- وضعاً صعباً وصل الى حد إعلان إفلاسها.. حيث بيعت من قبل ملاكها الى شركة عرفت بتصنيع الأدوات الاحتياطية للسيارات، وصناعة الورق.. قبل أن يدخل (العرّاب) الى قائمة مشاريعها، وبالتالي ينتشل بارامونت من أزمتها.. وثالث هذه المشاكل كان في البحث عن مخرج للفيلم، فلم يكن فرانسيس فورد كوبولا المخرج الأول ضمن خيارات أستوديو بارامونت. فكان هناك كل من إليا كازان، وآرثر بن، وريتشارد بروكس، وكوستا غافراس الذين حاولوا الحصول على هذا المنصب، لكن اختيار كوبولا هو بسبب سنه الصغير في وقتها فبحسب ظن مديري الأستوديو سيكون أرخص من التعاقد مع مخرج مخضرم)،. وأخيراً عن اختيار شخصية فيتو كورليوني فاسم مارلون براندو في تلك الفترة يعني لشركات الإنتاج المشاكل والقضايا والخسائر المالية، فقد كان معروفاً بسمعته السيئة في الكواليس وصعوبة مزاجه. مما دفع الأستوديو والمخرج لاختيار الممثل المخضرم لورانس أوليفييه لدور فيتو، حتى أنّ الممثل اللامع أورسون ويلز كان متشوقًا للحصول على الدور..
لكن المشكلة الأصعب كانت من قبل المافيا الحقيقية، والتي وضعت الكثير من العقبات من ضمنها تهديد العاملين بالفيلم وانتاجه، من خلال عناصر المافيا نفسها أو من خلال الجمعية الايطالية التي كان تديرها بالخفاء. لكن لقاء القمة في فندق شيراتون بنيويورك بين المافيا وصناع الفيلم حسم أمر إكمال التصوير لكن ببعض شروط المافيا.
اتساءل عن السبب الذي يمنع هوليوود من انتاج فيلم عن هذه القصة. القصة التي هي بحق تراجيديا ملهمة.