عدوية الهلالي
في حوار تلفزيوني ساخن ، قال أحد ضيوف برنامج سياسي معروف تعليقاً منه على قضية الاحتقان السياسي بين تيار الحكمة وفصيل عصائب أهل الحق إن مايهم حقاً هو وصول الحقيقة الى الناس ...كنت قد تابعت البرنامج كله من دون أن أصل الى أية حقيقة مقنعة حول سبب اتهام قناة الفرات للعصائب بقتل صاحب مطعم ليمونة أو بث قناة الفرات لتقريرعن قضية تفكيك مصفى بيجي واختفاء معداته ، فضلاً عن عدم وصول الحقيقة الكاملة بشأن اتهام الشيخ الكوراني للسيد عمار الحكيم بقبول تمويل من السعودية ..حلل ضيوف البرنامج الاتهامات بطريقة دفع التهم عن الفريقين لكنهم لم يمنحوا المشاهد أية حقيقة لأنهم إما لايعرفونها أو يحاولون حماية أنفسهم أو أحزابهم من تأثيراتها ..وهكذا ، تواصل القنوات الفضائية الاعتياش على الأزمات العراقية فتستقبل ضيوفاً وتودع غيرهم لكن المشاهد لايخرج من مشاهدة الحوارات السياسية الا بنتيجة واحدة ، وهي إننا أصبحنا من مدمني خلق الأزمات وإزجاء وقت كاف في مناقشتها وتراشق التهم ،وبعد أيام ، نكتشف أن قاتل صاحب المطعم لاعلاقة له بأي تشكيل سياسي كما تقول الجهات الأمنية وسنكتشف تدريجياً إن التهم الأخرى لاوجود لها أيضاً، وسنشاهد أقطاب النزاع وهم يتصافحون ويجلسون معاً ، وتظل الحقيقة غائبة ..
موضوع آخر تحول الى مادة للأختلاف والتناحر وهو انتشار المخدرات في العراق فهنالك من يعلن عن انتشارها بكثرة في العراق ويلقي بالتهمة على دول الجوار في إدخالها الى العراق ثم يخرج لنا من يقول بأنها ليست بهذه الكثرة وإن هذه القضية مبالغ بها وإن الجهة المقصودة لاتتحمل كل المسؤولية في انتشارها ..وأيضاً ، لانخلص من كل الحوارات الدائرة بخصوصها بحقيقة دامغة تشخص لنا المسؤول الحقيقي عن انتشارها بل لانجد من يحاول البحث عن حلول لهذه المشاكل لأنها ستبقى كما اعتدنا مادة دسمة للفضائيات فقط ..
أين نحن من العالم ؟..تساؤل مرير يراود كل من يشعر بمرارة وهو يراقب وضع العراق ..حكومتنا غير مكتملة ..أحزابنا متناحرة ..خدماتنا غائبة ..كل مجالات الحياة تنهار حولنا ونحن نقاوم بإعجوبة لنعيش كالآخرين ..نعمل ونضحك ونحب ونمارس صموداً اعجازياً لنستمر ..ألسنا شعباً يستحق الحياة ؟..نعيش وسط كل هذا الزيف والحقد المتبادل وتغييب الحقائق وخداع المواطن والحرمان من أبسط الحقوق ونحلم بأن نكون كالآخرين ..تخيلوا فقط أن نحظى بحكومة قوية ومسؤولين حريصين على البلد وإعلام نزيه وحياة كريمة ..ألن نصبح أفضل من الآخرين ؟...هذه هي الحقيقة الغائبة إذن ..سنظل نغفو على الكذب ونصحو على الخداع لنبقى كما نحن ..ونرضى بما نحن عليه ..وسيكفينا فخراً فقط إننا قادرون على العيش وسط كل هذا الخراب !!